رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

من المعروف عن الشيخ مصطفى عبدالرازق أنه كان قليل الإنتاج الفكرى نظرًا لانشغاله بالحياة العامة وبأمور الإصلاح العملية. ومع ذلك فقد كان هذا الإنتاج الفكرى كفيلاً بريادة مدرسة علمية قادت حركة الإصلاح من بعده. ولا يزال تأثير هذه المدرسة وفعلها فى الحياة الثقافية إلى يومنا هذا.

لقد ترك الشيخ مصطفى ستة مؤلفات فلسفية كان أهمها فى اعتقادى كتاب «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية» لأنه تضمن خلاصة فكره بالنسبة للفلسفة الإسلامية واشتمل على مذهبه الخاص فى دراستها من خلال منهج جديد ابتدعه ابتداعًا واختلف فيه تمامًا عن الدراسات السابقة عليه وكانت جميعًا دراسات غربية – استشراقية. وقد اشتمل الكتاب على قسمين؛ تحدث فى القسم الأول عن مقالات الغربيين والإسلاميين فى الفلسفة الإسلامية واستوفى عبر أربعة فصول آراء الكُتًّاب والمؤرخين الغربيين فى الفلسفة الإسلامية ورد عليها ببراعة وموضوعية. ثم آراء المؤلفين الإسلاميين القدامى أمثال الكندى والفارابى وأخوان الصفا وابن سينا، وأوضح آراء كل أولئك فى تعريف الفلسفة وأقسامها كما بين تصورهم للصلة بين الدين والفلسفة وواجهها بآراء علماء الدين فى هذا الصدد. أما القسم الثانى فقد خصصه لعرض منهجه الخاص فى دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية؛ فتحدث فى البداية عن بداية التفكير الفلسفى الإسلامى موضحًا بأجلى صورة أن الاجتهاد بالرأى كان هو بداية النظر العقلى عند المسلمين. ثم تحدث عن النظريات المختلفة فى الفقه الإسلامى وتاريخه، وناقش وجهات نظر المستشرقين خاصة آراء كارادى فو وجولد زيهر وكذلك عرض لآراء ابن خلدون وابن القيم وابن عبدالبر. وفى النهاية بلور وجهة نظره الخاصة حول الموضوع فتحدث عن الرأى وأطواره، موضحًا كيف بدأ النظر العقلى لدى المسلمين من خلال القياس والاجتهاد بالرأى منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ثم ظهور الخلاف فى الرأى فى الأحكام، وتشعب ذلك بعد عصر الخلفاء إلى العصر العباسى الأول وظهور أهل الرأى فى الإسلام وأهل الحديث من كبار الفقهاء والمحدثين أمثال أبى حنيفة ومالك بن أنس والشافعى.

وقد اختتم كتابه الهام بمحلق طبق فيه تلك الرؤية العامة حينما عرض لرؤيته فى علم الكلام وتاريخه. وكأنه فى هذا الكتاب قد أوضح بما لا يدع مجالاً للشك أنه يرى أن الأصالة الحقيقية فى الفكر الإسلامي إنما تتمثل فى علماء الفقه والأصول وكذلك فى علماء الكلام ومذاهبهم. لقد نجح الشيخ مصطفى فى هذا الكتاب فى رد التفكير الفلسفى إلى أصوله الإسلامية الخالصة.

لقد كان فيلسوفنا الجليل شديد الموضوعية وأصيلًا كل الأصالة حينما قال على سبيل المثال: إننا نرى أن الدلائل متضافرة على أن الرأى نشأ فى التشريع الاسلامى منذ نشأ الإسلام، ومن قبل أن يمتد به الفتح إلى ما وراء البلاد العربية. إننا لا ننكر أنه كان فى تدوينه وتفريعه وضبط قواعده موضعًا للتأثر بعناصر خارجية حتى لقد انتهى علم أصول الفقه بأن جمع من مسائل المنطق وأبحاث الفلسفة والكلام شيئًا غير قليل. وبقول أهل هذا العلم: إن مبادئه مأخوذة من العربية وبعض العلوم الشرعية والعقلية على أن هذا لا يمس ما قررناه من أن النظر العقلى نشأ أصلاً من أصول التشريع فى الإسلام يؤيده ويحميه.

على هذا النحو كانت قوة الحجة ومنطق الاستقلال العقلى تميز رؤية الشيخ مصطفى فى فهمه لحقيقة الفلسفة الإسلامية ومدى استقلالها فى مظانها الأصيلة وخاصة فى علم أصول الفقه وعلم الكلام. والحقيقة أنه على الرغم من ظهور العديد من المؤلفات الأخرى التى تناولت تاريخ الفلسفة الإسلامية ومشكلاتها بعد ذلك إلا أن أيًا منها لم يتجاوز منهج وطريقة التناول التى تميز كتاب الشيخ مصطفى عبدالرازق وان استفادوا منه جميعًا.

ولا شك أن بعض أعلام المدرسة الفكرية التى أسس لها الشيخ مصطفى عبدالرازق من أمثال الدكاترة على سامى النشارومحمود قاسم ومحمد عبدالهادى أبوريدة وأبوالوفا التفتازانى ومحمود حمدى زقزوق وأحمد صبحى وفيصل بدير عون ومحمد صالح قد ساروا على هذا الدرب وإن بقى له بالطبع فضل الريادة والسبق.

[email protected]