رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رؤى

كنت أتابع احتفالات أكتوبر عام 1981، مع والدى رحمة الله عليه، كان يوم الثلاثاء، فجأة انقطع إرسال التليفزيون، انتظرنا لفترة إعادة البث من المنصة وطال انتظارنا، وجدت نفسى أقول لوالدى

ــ قتلوه

ـ قال: من؟

ــ السادات

ــ قال: حرام عليك، هذا الرجل قدم لمصر الكثير، ويكفيه انتصار حرب أكتوبر، وإعادته لأجزاء من سيناء المحتلة بالتفاوض.

كنت مازلت فى الجامعة أدرس الفلسفة، وعندما وقع الرئيس أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد اعترض البعث السورى والعراقي، وقادوا جبهة لضرب السادات فى الداخل من خلال النخب المصرية، ونجحوا فى تشكيل جبهة معارضة من اليساريين الذين كانوا يستضيفونهم ويكرمونهم ويمنحونهم الجوائز، كنت ممن عارضوا الاتفاقية ورأوا فيها خيانة للعرب، وأنه وقع على حساب سوريا ولبنان وفلسطين، وكان يجب أن تكون المصالحة جماعية، وأن تعيد إسرائيل جميع الأراضى المحتلة حتى حدود 1967.

عندما توقفت الطائرة فى مطار بن جوريون ونزل منها الرئيس أنور السادات كاد قلبى يتوقف، وشعرت بخوف شديد، لكن سرعان ما تبدل الخوف والقلق بسعادة غامرة لشجاعة بطل حرب أكتوبر وهو يصافح قيادات العدو الصهيوني، شعر أغلبنا أنهم مجرد بشر مثلنا، يغضبون ويجوعون، ويتألمون، ويضحكون، ويمرضون، وأنه من الممكن أن نتحاور ونقنعهم ويقنعونا.

والدى رحمة الله عليه كان مع مبدأ المصالحة، وكان مع توقيع الرئيس السادات للاتفاقية بمفرده دون الاستجابة لرغبة البلدان العربية، ومبرر والدى كان فى رفض البلدان العربية الجلوس مع العدو التاريخى على طاولة واحدة، واتفاقهم على أن الأرض التى احتلها العدو التاريخى بالقوة يجب أن تعود بالقوة.

والدى رحمة الله ضرب لى مثلا بصلاح الدين الأيوبي، وقال لى: صلاح الدين عقد معاهدة مع الصليبيين، ارجع لها واقرأ بنودها تجد أغلب بنودها تقوم على التطبيع التجارى والثقافي، تعطى الحرية للمسيحيين غير العرب فى زيارة مهد المسيح والمقدسات الدينية.

لم أستمع لنصيحة والدى باهتمام، كما أننى لم أتراجع عن رأيى بأن معاهدة كامب ديفيد خيانة للعرب، وقوى من موقفى أيامها الحديث عن تقسيم سيناء إلى مناطق أغلبها منزوعة السلاح.

بعد مرور سنوات اكتشفت أن أحمد عريبى رحمة الله عليه كان على حق، وأن السادات توصل مع العدو الإسرائيلى إلى ما مكنته الظروف إلى التوصل إليه، وأنه كان بمقدوره أن يتوصل إلى اتفاقية أفضل إذا كان فريقه المفاوض أقوى، وإذا كان الحكام العرب يساندونه أو يشاركونه المفاوضات، لكنهم اختاروا الشعارات الكاذبة.

اليوم أتذكر هذه الوقائع وأنا أتحسر على غزة التى أصبحت إمارة مستقلة عن الضفة، وسوريا التى تنزف شبابها ونساءها ومدنها وقراها، ولبنان وهى حائرة بين الفصائل والأحزاب، والعراق التى تتنازعها المذاهب والملل والداعية، وليبيا التى تحولت لميليشيات وحرب بالوكالة، واليمن الذى لم يعد سعيدا، فقد بددوا قوتنا وسفكوا دماء شبابنا وأضاعوا ما كان بقبضتنا من تراب.

[email protected]