رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

تناول علماء علم الاجتماع الخصوصية الثقافية للمجتمع العربى، وهنا يعرفها محمد ولد الكتاب الموريتانى بقوله: لكل أمة ذات حضارة متميزة خصوصية ثقافية متفردة. والخصوصية الثقافية بوجه عام تتمثل فى اللغة وكل أشكال التعبير الفنى والمعايير الجمالية والمتمثلات السيكولوجية والمعتقدات الروحية والطقوس الدينية والمنظومات القيمية والمسلكيات الاجتماعية وأنماط العيش الخاصة من مسكن وملبس ومأكل. فهى باختصار حصيلة وزبدة كل العناصر التى تميز أمة بعينها عن غيرها من الأمم وتعطيها سمة متميزة وملامح مغايرة تشكل غيرية وذاتية هما قوام الهوية الثقافية والحضارية لتلك الأمة، ومن ثم فالعرب كغيرهم من الأمم لهم خصوصية ثقافية متميزة. وترتكز هذه الخصوصية على مقومات أساسية هى:

أ- اللغة العربية بوصفها المادة التى قض منها المنتوج الفكرى العربى والوعاء والبوتقة التى أفرغ فيها هذا المنتوج فشكلته وقولبته وفقًا لعبقريتها الخاصة. 

ب- الدين الإسلامى بوصفه المرجعية التى تستند إليها التشريعات المنظمة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية للمجتمعات العربية والتى تنطلق منها منظومتها القيمية.

ج- الموروث المعرفى الذى تكون عبر العصور نتيجة لتطور العلوم الدينية واللغوية وتشعب المعارف انطلاقًا من استقراء واستيعاب وتعميق الموروثات الفكرية الأعجمية وغيرها من قبل العلماء والباحثين العرب؛ وهذا الموروث العربى المتكون عبر العصور كان له ارتباط وثيق الصلة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى عرفها الفضاء العربى عبر الأحقاب، كالظروف السياسية والأيديولوجية التى عصفت بالعالم الإسلامى عشية الحروب الصليبية التى اجتاحت الشرق وأثرت فيه مثلما تأثرت به، أو الاجتياح المغولى للعالم الإسلامى وتقويض الخلافة العباسية، أو الاجتياح العثمانى للعالم العربى وما خلفه لنا من متاعب ما زلنا نعانى من تبعاتها، أو عصر القومية العربية وفكرة المارد العربى الذى لا يقهر، وأخيرًا- كمثال بارز- ما عرف باسم الربيع العربى، الذى تحول إلى خريف أطاح ببلادنا.

ورغم تحفظى على النقطة الثانية من مقومات الخصوصية الثقافية، لأنه ببساطة أغفل الدين المسيحى الذى يلعب دورًا شريكًا فى الخصوصية الثقافية للشرق، إلا أننا سنقف قليلًا عند الخطاب الدينى الذى يشكل محورًا مهمًا فى الخصوصية الثقافية للأمة العربية، فما كان مستخدمًا من نصوص جدلية أو روايات تفسيرية فيما مضى، ربما لم يعد متناسبًا مع زمن ما بعد الحداثة. وهذا، ما جعل البعض يستخف بمفرداته التى لا يزال الخطباء يصرون على تكرارها على مسامعنا دون تدبر.

ومن هنا تعالت الصيحات بضرورة تجديد الخطاب الدينى ليتناسب مع آليات الطرح فى عصر ما بعد العولمة، أو فى عصر بات فيه العالم كله بين يديك عبر جهاز يسمى الهاتف المحمول؛ ويهدف التجديد هنا إلى سلامة الخطاب الدينى والتثبت من أصوله، وتبسيط مفرداته وتحديثها، ووصوله إلى أكبر شريحة من المستقبلين، بما يحفظ لهم إيمانهم الصحيح، ويكونهم تكوينًا وسطيًا، ليصبحوا عماد الأمة بعيدًا عن التطرف، وبما يحفظ للإنسان حقه فى الحياة أيًا كان دينه أو معتقده. وحديثنا هنا لا يقف عند تجديد الخطاب الدينى الدينى الإسلامى فحسب، بل يشمل أيضًا الخطاب الدينى المسيحى.

ولعلنا هنا نشير إلى المكتسبات الأيديولوجية التى نالها الشيخان محمد عبده وجمال الدين الأفغانى كأبرز شيخين ذهبا إلى أوروبا ونهلا من علومها، وعادا إلى مصر عالمين مجددين فى الفكر الإسلامى التنويرى، ولم يتقعرا على ذاتهما فى آتون السلفية أو غرقًا فى بحار الروايات الهلامية التى لا صلة لها بالكتاب والسنة.

أما العادات والتقاليد وصلتها بالمكون الثقافى للشعوب، وكيف تلعب دورًا أصيلًا فى تكوين الخصوصية الثقافية، فتلك قصة أخرى.

 

كاتب وأستاذ أكاديمى