رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نحو المستقبل

هناك نمطان من الأساتذة الجامعيين؛ نمط تقليدى تتوقف مهاراته عند تقليد الآخرين والنقل عنهم وضبط الهوامش والحرص على أن يكون النقل أمينًا، وكلما كان من مصادر ومراجع أجنبية كان أفضل، وكلما قل فيما يقولون الرأى والاجتهاد فإن ذلك هو الصواب عينه، ونمط مبدع يسخر قراءاته لإبداء الرأى أو للتدليل على صواب الاجتهاد العقلى الشخصى، وبالطبع فإن النمط الثانى هو الأقرب إلى النمط الفلسفى الحق، فالتفلسف ينتج الإبداع ولا يتوقف عند النقل وإثراء الهوامش. ولا شك أن د. نصار عبدالله من هؤلاء الذين ينتمون إلى النمط الثانى؛ فهو صاحب موقف فلسفى ونقدى واضح من كل ما يقرأ ولا يكتب إلا حول أو فى قضايا معاصرة بغرض بلورة موقف مبدع ومستقل عن كل المواقف ومختلف عن كل الآراء المطروحة حول نفس الموضوع سواء قيل من قبل الفلاسفة السابقين أو المعاصرين غربيين كانوا أو عربًا! يقول نصار عبدالله فى مقدمة كتابه «مدخل إلى النسبية الأخلاقية»: إن الابداع الفلسفى غاب عند الكثيرين من المشتغلين بالفلسفة عندما غابت لدى كل منهم القدرة على أن يلقى بنفسه مباشرة فى خضم المشكلة المطروحة ويشق لنفسه طريقه الخاص غير عابئ بما يقوله هذا الفيلسوف أو ذاك من أعلام الفلسفة الشوامخ». ومن ثم فما عابه على الآخرين تجنبه هو! فالناظر إلى إنتاجه الفلسفى يجد أنه يغلب عليه الإبداع وهذا ما يفسر قلته، وما أكثر من يكتبون وما أقل المبدعين!

فحينما تناول فى كتاباته الفلسفية موضوع النسبية الأخلاقية لم يشغله كثيرًا ما قاله السابقون فى ذات الموضوع كما لم ينشغل ببيان أصل النسبية الخلقية وتاريخ تطورها منذ بروتاجوراس وفلاسفة الحركة السوفسطائية فى اليونان قديمًا حتى فلاسفة الوضعية والبراجماتية حديثًا.

لقد ترك كل ذلك واتجه مباشرة إلى تحديد موضوعه ومنهجه الخاص للبحث فيه؛ أما الموضوع فيبدأ بتحديد طبيعة الفعل الخلقى بوضع الخطوط الفاصلة بين ماهو واقع فى مجال الحكم الأخلاقى وماهو واقع خارجه، أما المنهج فهو أقرب ما يكون إلى المنهج التجريبى الذى اتبعه التجريبيون من أمثال هيوم وبنتام وجون ستيوارت مل، لكنه اتبع فى تطبيقه رؤية تحليلية خاصة، حيث اعتمد على «تأمل طائفة من أحكامنا الخلقية فى مناسبات شتى». ومن خلال هذا التأمل حاول «التماس ما هو مشترك بين تلك الأفعال التى درجنا أن نحكم عليها بأنها أخلاقية، وما هو مشترك بين تلك الأفعال التى تعودنا أن ننظر إليها باعتبارها واقعة خارج المجال الخلقى ولا تقبل الوصف بأنها أخلاقية ولا بأنها لا أخلاقية».

ولما طبق بالفعل هذا المنهج انتهى إلى نتيجة أولية مفادها أن «الفعل الخلقى هو فعل نتمنى أن يلتزم به كل إنسان طواعية واختيارًا فى مواقف نعلم أنه لا يوجد فيها ضمان للفعل إلا الطواعية والاختيار» وأن الأخلاق ليست فى نهاية المطاف إلا مؤسسة اجتماعية تتشكل شأنها فى ذلك شأن سائر المؤسسات الاجتماعية الأخرى طبقا لاحتياجات المجتمع الذى تنشأ فيه والذى ينتظمها جميعًا».

ومن هنا كشف عن وظيفة القيم الأخلاقية باعتبارها عاملًا من عوامل تأمين الوجود الاجتماعى للبشر إذ من شأنها تأمين حياة الفرد وتلبية مطالبه المادية والمعنوية وهى تسهم فى تأمين المجتمع وحفظه. إن مفكرنا- وهو يقر هنا نوعًا ما من النسبية الخلقية الاجتماعية- يرى ضرورة لوجود المعايير المطلقة؛ إذ لولا وجود هذه المعايير المطلقة لما كنا «نشعر فى أعمق أعماقنا بأن هناك أهدافًا أخلاقية نهائية تتجه إليها سائر المجتمعات»، وهو يدعم هذه الضرورة.

بالكثير من البراهين والنتائج البحثية. وقد خلص إلى بلورة وجهة نظره قائلًا: «إن التباين الأخلاقى بين المجتمعات المختلفة إنما هو تباين ظاهرى فى جانب كبير منه وأن ما يبدو عليه مجتمعان من الاختلاف فى تقييم نفس الفعل أو نفس الموقف إنما يرجع فى حالات كثيرة إلى أننا لسنا إزاء نفس الفعل أو نفس الموقف تمامًا، وحتى حينما نكون إزاء نفس الموقف، فإن اختلاف التقييمات الأخلاقية بين مجتمع وآخر لا بمعنى تناقض مجموعة القيم التى يؤمن بها هذا المجتمع مع مجموعة القيم الأخلاقية التى يؤمن بها ذاك، ولكنه قد يعنى أحيانًا تباين الأولويات التى يمنحها هذا المجتمع أو ذاك لهذه القيمة أو تلك بين درجات السلم الأخلاقى». إن كل المجتمعات البشرية تؤمن وتضع حق الحياة على رأس قائمة القيم الأخلاقية ثم تأتى بعد ذلك بحق الحرية وعنهما تتفرع وتأتى سائر القيم الأخلاقية الأخرى مما يؤكد الطبيعة البشرية الواحدة فى كل زمان ومكان. إن رؤية نصار عبدالله فى فلسفته الأخلاقية تمزج ببراعة بين النسبية والإطلاق؛ فمع إقراره أن الأفراد والمجتمعات لديهم مبادئ وعادات خلقية مختلفة تبعًا لاختلاف البيئات والعصور، فإن هذه الاختلافات لا تنفى ولا تتعارض مع إيمان الإنسان بما هو إنسان بقيم أخلاقية ثابتة تمثل الهدف الأسمى للحياة الإنسانية فى كل زمان ومكان.

[email protected]