رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

أنهى مهمته على الأرض. رفرف فى سماوات الخلود. الآن توقفت مشروعاته، وحلق فى صمت يليق بزاهد. لم يرثه سوى زملاء قلم وطلاب علم لأنه غير معروف بين العامة. ليس سياسيا ليرثه أنصاره. ولا زعيما ليؤبنه محبوه. ولا لاعبا ليهتف باسمه المشجعون. ولا رجل أعمال أو مستثمرا لتمتلئ الصحف بمنشورات نعيه.

هو عندى أعظم من كل هؤلاء. عالم، مفكر، كاتب، فيلسوف، مترجم، مؤلف، مُحلل، صاحب قلم حقيقى. لا هو مدلس ولا محرض ولا منافق. يكتب بحق. ينور. يُعلم. يُدقق. يُبصّر. يُخرج الناس من ظلمات الجهل إلى المعرفة. يفتح نوافذ ويضئ عقولا ويحسن خلقا.

إمام عبدالفتاح يا ناس تقاعد. قنع بما قدم. أكمل مشروعه. أتم ما عليه، وانتقل للآخرة راضيا بعطائه مؤمنا أن الله هو المكافئ وأنه ما مات من كتب.

أعلم أن نصف من يقرأون الآن إن لم يكن أكثر لا يعرفون قيمة وقدر ومشروع الدكتور إمام عبدالفتاح، ذلك الفيلسوف العظيم الذى رحل بعد 85 عاما علمنا فيها ما لم نكن نعلم وزهد فى كل شىء: المناصب، الشهرة، والتكريم.

تسرب هيجل ومشروعه الفكرى إلينا عبر قلم الرجل الذى له فضل ترجمته، وتعريف العالم العربى بمناهجه. استفزنا إمام عبدالفتاح لكى نفكر ونحلل ونقرأ، ندرس، نفترض وندرس كل شيء.

فى كتابه الساحر «الطاغية» يكشف لنا كم خُدعنا وسنُخدع بمستبدين اتخذوا الدين سُلما وحصنا لحكمهم. فسّر لنا الرجل كيف تنقلب السمات والقيم والأخلاق فى سبيل السياسة؟ كيف يستبد أناس طبيعيون كانوا مثلنا؟ ولِم وإلى متى؟

مات إمام عبدالفتاح، وكلنا سنموت. رحل وهذا هو مصير الجميع، لكن الناس لم تلتفت ولم تهتم ولم تبكه رغم أنه رجل عظيم.

إننى أعرف ديدن الشرق: الجهل بقدر المفكرين والتطبيل للقادة والزعماء. غمط حق العباقرة وكيل المدائح فى الولاة والسلاطين.

حكى لى يوما الدكتور يوسف زيدان سر نقمته على صلاح الدين الأيوبى. قال لى إن الناس تقدس السلاطين والحكام، رغم أن حيواتهم كلها مؤامرات وغدر وكذب، بينما تتجاهل عباقرة وعظماء بحق مثل ابن سينا وابن خلدون والرازى وجابر بن حيان وغيرهم.

وفى سبيل محبة الناس لبعض الحكام، فإنهم يتغاضون عن مذابح وجرائم وخطايا لا حصر لها، وأن صلاح الدين الأيوبى أحد هؤلاء.

بالطبع ليس هذا محل نقاش طرح يوسف زيدان، لكننى أرى بالفعل أن الناس فى الشرق تنتصر للساسة ولا تنتصر للعباقرة والعلماء.

إنه تقدير فى غير محله، خاصة أن العالم الأوروبى يسمى عصور التاريخ لديه بأسماء العلماء والمفكرين. فنقرأ مثلا فى كتاب قصة الحضارة لديورانت (عصر ديكارت) أو عصر ( كانط).

أما لدينا فما زلنا لا نرى لآلئنا المضيئة، ومنهم أستاذ الفلسفة العظيم الدكتور إمام عبدالفتاح.. والله أعلم.

[email protected]