عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

يعد شهر رمضان الكريم حالة فريدة بين المصريين، حيث يعيشون خلاله حالة روحانية عالية، تجعل منهم صورة مختلفة تمامًا عما نألفها بقية العام، ومثلما يسلسل الله عز وجل الشياطين فى هذا الشهر الكريم، نقوم ونسلسل الأنفس الضعيفة أيضًا التى استسلمت للفجور عبر العام، فيتقرب المرء إلى الله زلفى، رافعًا أكف الضراعة بالدعاء، وحين يخر إلى الأرض ساجدًا حامدًا شاكرًا، لا يرفع جبينه إلا بعد شعوره بأن الله قد غفر له.

وحين يصدح الأذان بصوت الشيخ محمد رفعت معلنًا عن بدء الإفطار، ترى مئات المتطوعين، مسلمين ومسيحيين، يحملون على عاتقهم سقاية وإطعام المارة الصائمين الذين حل عليهم أذان المغرب، فى صورة بديعة يرسمها هؤلاء الشباب بابتسامة تعتلى وجوههم وهم يشعرون بالفخر لما يقومون به، إلى جانب موائد الرحمن التى اصطفت مقاعدها على الجانبين لتطعم الكافة ممن يمرون عليها أو ممن أصابهم العوز، دون أن يسألوا الجالس عن دينه أو هويته.

وقد رأيت تجربة بديعة تعبر عن مصر التى تعيش فينا، وتعكس الوشائج التى تشد أبناء الأمة كأنهم بنيان مرصوص، إنه وثاق الحب فى الله، ولمَ لا والله محبة؛ حيث خاض شابان تجربة حقيقية قبيل الإفطار، فركبا سيارتهما وتحركا بها قبيل أذان المغرب، حيث قام المتطوعون بتوزيع التمور والعصائر والمياه عليهما...فإذا بهذين الشابين يقولان لأولئك الشباب: «أنا مش صايم، أنا مسيحي». وجاءت ردود الشباب المتطوع لتعكس أصالة أهل مصر، وقوة إيمانهم بالله والوطن، فكانت على النحو التالي:

- فى إيه يا عم، كلنا واحد، هتفطر معانا.

- متقولش مسيحى ومسلم، كلنا واحد، خد يا عم.

- وإيه يعنى مسيحي، هتاخد برضه.

-وماله يابا، عيب عليك، خد عشان تفطر معانا.

الطريف فى الأمر أن الشابين تركا سيارتهما الفارهة، وركبا توكتوك، ليقيسا ردود فعل المواطنين ممن يستخدمون تلك الوسيلة ومشيا فى حى شعبي، وقاما بنفس الدور، وجاءت نفس النتيجة، ثم قاما بركوب موتوسيكل وتجولا به ساعة الإفطار بين المارة، فجاءت نفس النتيجة.

ترى أهذه صدفة؟ بالطبع ليست صدفة. لقد كان هذا ردًا تلقائيًا من المصريين على كل من يشكك فى محبتهم لبعضهم البعض، لإيمانهم بأن الدين لله والوطن للجميع...ولا يعنى كلامى هذا أنه لا توجد بعض العقول التى هجرت الوسطية وضلت طريق الإيمان! تلك التى تحتاج إلى جرعات توعوية مكثفة، متباينة الأشكال، أو إلى بيئة مجتمعية وتعليم أرقى لتدرك المفاهيم السامية للأديان السماوية، والمعنى الحقيقى للحب فى الله، والاهتداء بسنة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذى قال: «إنما أتيت لأتمم مكارم الأخلاق».

تذكرت كل هذا، حينما دُعيت لتناول إفطار المحبة فى إحدى الكاتدرائيات بالقاهرة، وجلسنا كلنا مسلمين ومسيحيين نأكل زادًا واحدًا، ونشرب ماءً واحدًا، بل وجدنا مسجدًا معدًا لنا لنصلى المغرب فيه، وقد فزت يومها بالصلاة بجوار جمع من أصحاب الفضيلة علماء الأزهر الشريف.

وعقب الإفطار توالت كلمات الترحيب. وألقى سفير بريطانيا بالقاهرة كلمة قصيرة، كانت بمثابة شهادة لنا ووسام على صدر كل مصري، حيث رحب بنا مشيدًا بروح رمضان التى جمعتنا سويًا فى ذلك المكان. غير أن ما أردفه كان الأهم، حيث قال ما نصه: سوف أتحدث إليكم لا كفرد يجلس معكم بل كمواطن أجنبى يعيش بينكم كسائر الأجانب الذين يعيشون هنا، فأشهد أن ما أراه بين المسلمين والمسيحيين فى مصر من تعايش سلمى ومحبة لهو صداقة حقيقية ومحبة ومودة قل أن نجدها عند أمم أخرى.

لكم شعرت بالفخر ببلادي، حين شهد لنا سعادة السفير، حفظك الله يا مصر شعبًا وقيادة.

* كاتب وأستاذ أكاديمي