عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كيف نحتفل بالكريسماس؟ سؤال طرحته على نفسى وأنا جالس ذات يوم بأحد فنادق القاهرة مساءً، حيث طالعت مظاهر الزينة وأشجار الميلاد المزينة بلمبات ضوئية بديعة الأشكال، خلابة الألوان؛ وفى ذات الوقت رأيت البهجة والفرحة فى عيون المصريين الذين يرتادون المكان ليبتهجوا بحلول العام الميلادى الجديد، ويتشاركون سويًا فى قضاء طقوس بعينها كل ليلة من ليالى القاهرة الساحرة.

عدت بذاكرتى إلى الوراء مئات السنين، حيث الألفية الأولى ستحل على العالم بعد سويعات، وكان العالم آنذاك يؤمن أنها النهاية الحتمية التى كتبها الله علينا، الفناء اللاإرادى الذى سيجتاح كل شيء أمامه عندما تأذن الساعة. ففى عشية عيد الميلاد المجيد للعام ألف ميلادية ظن الناس أنها نهاية العالم، بعد أن عظمت ذنوبهم، وامتلأت الكنائس بالبشر الذين هرعوا إلى الله، كى يغفر لهم خطاياهم ويطهرهم مع قرب حلول الساعة.. ومرت الساعات عصيبة على الجميع، بيد أن شمس يوم جديد لسنة جديدة بعد الألف الأولى للميلاد أشرقت عليهم، مخيبة ظنونهم فى قيام الساعة. وبدأ البشر تتقاذفهم أمواج الحياة ترفعهم تارة وتحطهم تارة أخرى، فمازالت هناك فرصة أمامهم كى يمرحوا فى الأرض مرحا، مازالت هناك ألف عام أخرى ستأتى وتشهد ظهور المسيح الدجال ومجيء المخلص وقيام الساعة مع نهاية الألف الثانية من ميلاد السيد المسيح عليه السلام.

ومع مرور الألف الثانية للميلاد، وجلت القلوب فى الكنائس وتضرعت إلى الله كى يغفر لها خطاياها، ويعفو عن أصحابها، علهم ينالون قسطًا من الشفاعة يوم الدين، بعد أن أصاب العتاة منهم أممًا ذبحًا وقتلاً بلا رحمة، وتكفى وقائع الحرب العالمية الثانية، حيث لاتزال الأيادى ملوثة بدماء ملايين الأبرياء الذين فنيت حيواتهم بلا ذنب يذكر.

وفى الشرق كنا نستعد لاحتفالات الألفية الجديدة، ألفية ثالثة ستحل على العالم، ولا وجود بيننا لفكرة فناء العالم مع نهاية الألفية الثانية، والتى كانت ماثلة فى كثير من أذهان رجال الدين. أتذكر جيدًا، تلك الحفلة التى أقامها وزير ثقافة مصر آنذاك، ليجعل من احتفال مصر بالألفية الثالثة الجديدة شيئًا مميزًا يحكى عنه العالم، مع عزف جان ميشيل جار الموسيقى المصحوب بألعاب ضوئية وأخرى نارية عند سفح الأهرامات؛ وربما لم ينتبه الكثيرون لفلسفة رحيل ألفية وقدوم ألفية جديدة، فى وقت احتشدت فيه الكنائس بالمصلين يتضرعون إلى الله ويرتلون الترانيم والأناشيد الدينية.

تعجبت من تلك المتناقضات، ففكرة نهاية العالم مع كل ألفية كانت ولا تزال تسيطر على الفكر الدينى، وفى المقابل يحتفل كثير من المواطنين بالسنة الجديدة على طريقتهم الخاصة من موسيقى صاخبة، وغناء ورقص وسهر حتى الصباح، وطقوس مجهولة الهوية؛ وربما كان مصدر الابتهاج هو استمرار الحياة فى أبدانهم لعام جديد، وانصرام عام بكل حلاوته ومرارته.

إن الاحتفال بليلة الكريسماس هو احتفال دينى خالص، يبدأ قبلها بصوم الميلاد المقدس لما يزيد على أربعين يومًا وينتهى بالعيد. ويذكرنا هذا بما نقوم به فى مصر بالاحتفال بالمولد النبوى الشريف، من حيث المنهج العام.. فقد اعتدنا فى مصر على إقامة حفل دينى كبير ابتهاجًا بمولد رسول الله، ويشمل تلاوة من الذكر الحكيم وعظات وتواشيح دينية وأدعية من الكتاب والسنة؛ ويحتفل عامة الناس بتلك المناسبة بشراء الحلوى التى أصبحت عادة سنوية تذكرهم بالمولد النبوى الشريف.. ولا ننسى شراء العروس وفارسها الراكب على جواده شاهرًا سيفه، أيضاً. وتبدأ قنواتنا الفضائية فى بث أفلام دينية لتبرز للعالمين المشقة والآلام التى تحملها الرسول الكريم كى ينشر الإسلام فى ربوع الجزيرة العربية.

ما أود قوله ختامًا، أن مظاهر المجون والسهر والرقص والغناء والإتيان بطقوس غريبة الشكل والمضمون ليلة عيد الميلاد المجيد هى ليست من أصول الاحتفال بمولد السيد المسيح عليه السلام، فرسول المحبة يشترك مع رسول الرحمة فى الإجلال والتقدير، لاسيما أن ميلاده وحديثه فى المهد كان معجزة للعالمين.

 

* كاتب وأستاذ أكاديمي