عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كم من المفكرين والأدباء والشعراء عانوا من لصوص الكلمة؛ وكم من القصائد والألحان والمدونات والأبحاث استبيح دمها بين المتسولين على موائد المبدعين. ضاعت الكلمة على قارعة الطريق، فهذا يقوم بالاقتباس وذاك يقوم بانتحال صفة الغير، وثالث يمزق شهادة الانتساب، فيتفرق نسب الكلمة بين القبائل ولا يستدل لها على صاحبٍ.

ما أقبح الأبحاث الزائفة التى قرأتها بالعربية لمؤلفين يخطون خطواتهم الأولى على درب المستقبل؛ لم يكن القبح الذى أصابها وليد رحم جفت مشيمته، فأفرز إلى الوجود فكرًا هزيلًا مشوهًا مبتور الأطراف فحسب، بل أيضًا نتيجة لاستنساخ الكاتب له من جينات أجنبية مجهولة لنا، ليلقى استحسانًا بين أناس أكثر فقرًا ممن كتبوا تلك الأبحاث. وإذا كان الغرب قد ابتكر وسيلة لقياس حجم الاقتباس plagiarism فيما يكتبه هؤلاء، إلا أنها مصابة بالعجز المطلق عندنا، لأن تطبيقاتها غير مدعومة بالعربية. ويستمر محترفو السطو المتعمد على مؤلفاتنا وإبداعاتنا دون حسيب أو رقيب يعيد إلينا الحق الضائع، رغم وجود قوانين متباينة تراقب ذلك.

ذات يوم التقيت بالشاعر الكبير عبدالعزيز جويدة، فبادرنى ممتعضًا قائلًا: «شوفت الحرامى اللى سرق بعض قصائدى ونزلها على مدونة شعرية تحمل اسمه؟ فأجبته، نعم رأيت ذلك واستنكرت هذا الفعل القبيح؛ وتساءلت لماذا أقدم على ذلك؟»، وبعد يومين كتب شاعرنا الكبير على صفحته على «الفيس بوك»: «امسك حرامى تانى يسرق قصائدى».. فضحكت فى نفسى وقلت، ما أجمل أشعارك التى تأسر القراء فإما يحفظونها عن ظهر قلب، أو ينقلونها إلى صفحاتهم بلا هُوية، متجاهلين حقوق الملكية الفكرية للمؤلف، أو يسطو عليها أحد هؤلاء النقلة بكل وقاحة ويذيلها باسمه، مجاهرًا دون حياء بالمعصية.

بيد أنه ليس كل لصوص الكلمة يمكن أن يُقدموا للمحاكمة، فهناك واقعة معروفة جدًا بين المثقفين مفادها أن أميًرا عربيًا ذائع الصيت نسب بعض القصائد المصرية إلى نفسه، وتغنى بها مطربين ومطربات من زمن العمالقة -رحمهم الله جميعًا- حاملة تلك القصائد اسم ذلك الأمير؛ وتمكن المؤلفون الأصليون لاحقًا من إثبات ملكيتهم لها أمام المحكمة.

وهناك نوع جديد من لصوص العصر الرقمى ممن يتسمون بجفاف الينابيع، يقومون بالسطو على مقالات بعينها، ثم ينقلونها إلى صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى مبتورة النسب، موحين للقارئ أنها من بنات أفكارهم، والبعض منهم يجتهد ويكتب كلمة «منقول» معتبرًا إياها public domain رغم وجود اسم المؤلف الأصلى عليها.

لقد أرسل لى أحد أصدقائى السعوديين ذات يوم مقالًا لاذعًا حول تعبير «سفر برلك» ومن شدة إعجابى بالمقال قررت أن أقتبس منه فقرات تحمل اسم مؤلفها بعد استئذانه؛ فأجابنى: «لا غضاضة طالما أنك ستشير إلى اسمى».

إن لصوص الكلمة يا سادة أكثر خطورة على عقول الأمة العربية من جواسيس الإنترنت، الذين يستهدفون أمتنا العربية ليل نهار؛ ويجب علينا أن نتكاتف جميعًا للتصدى لهم ونمزق هويتهم الهشة التى تشكلت زيفًا من أفكار المبدعين.

كاتب وأستاذ أكاديمى