رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أحوال مصرية

الشواهد كلها كانت تنبئ بقدومه رغم استعدادنا لاستقباله منذ شهر شعبان، الذى كنا نقضى نصفه الأول فى فرحة مولد سيدى عبدالرحيم القنائى، كنا تخرج فى النصف الأول من شعبان بعد المغرب تقريباً، وراء موكب «النقيب» تحيطه الأهازيج والأعلام وتضفى الموسيقى النحاسية على المشهد جمالاً ورونقاً أسطورياً، من منزل النقيب إلى مسجد سيدى عبدالرحيم القنائى، وبين الفنية والأخرى يتوقف الموكب لكى يقدم لاعبو الألعاب النارية، عروضهم المجنونة التى تلهب خيال كل من يشاهدها، وهم يقذفون بالبنزين من أفواههم، إلى كرات النار المعلقة بسيخ حديدى فى أيديهم فيزيدها البنزين اشتعالاً، ويزيد لاعبو التنورة بملابسهم المزركشة والواسعة المشهد جمالاً.. ومنذ النصف الثانى من شعبان تبدأ الاستعدادات لاستقبال رمضان بتعليق الزينات والأعلام والفوانيس، فى كل شارع وحارة ومنطقة وزقاق تقريباً.

وكنا نحن الأطفال نتباهى بعدد الأعلام والفوانيس فى كل شارع، وأي منها أجمل من الآخر، وكان الشارع الفقير فى الأعلام والفوانيس الأحط شأناً بيننا، وفى الستينات كان رمضان يأتي فى الشتاء ويبدأ فى قنا بتشييد أفران الكنافة والقطايف اليدوية بالطوب اللبن الأبيض، والوقود من البوص وأوراق الشجر خصوصاً فى السوق الفوقانى صرة قنا، كما كانت مآذن المساجد تزدان بالأنوار ويستعد مدفع رمضان للانطلاق عند السيد عبدالرحيم، وقبل رمضان تنشط حركة شراء الأطعمة والمأكولات فى سوق الخضار والسوق التحتانى لتناولها بعد الصيام، وكان طبق الفول وجبة أساسية لكل أسرة سواء فى الإفطار أو السحور.

كما كانت تنشط تجارة المشروبات المثلجة خاصة العرقسوس والسوبيا والليمون والتمر هندى لشربها أول شىء ساعة الإفطار بعد تناول البلح مباشرة، وكانت التواشيح الدينية فى الإذاعة المصرية تضفى نكهة خاصة للشهر الفضيل خصوصا قبل الإفطار وبعد العشاء، وكانت فوازير رمضان فى الإذاعة سيدة الموقف لأن التليفزيون دخل قنا فى أواخر الستينات، وكان المسحراتى من أهم طقوس الشهر الكريم فى قنا وقتها، وكانت ساعات الليل مخصصة للسمر أو لإقامة مباريات كرة القدم بين فرق الشوارع، وكان الصيام فى ذلك الوقت بالنسبة لعمرنا اختباراً صعباً وامتحاناً قاسياً تنوء عن حمله الجبال، ولولا الصيام بالتدريج وحوافز الصيام ما نجحنا فى المهمة، وكان الأصدقاء المسيحيون يتعمدون عدم تناول الطعام والشراب أمام جيرانهم المسلمين احتراما لمشاعرهم وقدسية الشهر الكريم.. الله يرحم أيام زمان ورمضان زمان.