أحوالنا
مع الشروع فى كتابة هذه السطور، وفدت إلى القاهرة نجمة الذكاء الاصطناعى صوفيا فى أول زيارة لها لمصر. وتنبع أهمية صوفيا من أنها روبوت يحاكى الإنسان فى كل شىء؛ الشكل والمظهر الخارجى وفصاحة اللسان والقدرة على التفكير. فهى أحدث ما أنتجه العقل البشرى من أجهزة الإنسان الآلى أو الروبوت، وفضلاً عن كل هذه القدرات فإنها تملك مشاعر تنعكس بوضوح على وجهها، وهو ما يجعلها أقرب إلى الإنسان منها إلى الآلات.
وكانت أفلام هوليوود وخاصة أفلام الخيال العلمى سباقة إلى ارتياد عوالم وممالك الروبوت، بدءاً من أشكالها البسيطة التى كانت تشبه آلات الكنس الكهربائية بصوتها الآلى المتقطع، الذى يشبه نقيق الضفادع، ومشيتها المتدحرجة فى خطوط مستقيمة مع أضواء متقطعة تشع من فوق رؤوسها. إلى أن وصلنا إلى الجيل الحالى الذى يتميز بأنه الأقرب شبها بالإنسان شكلاً وموضوعاً. ولَم يكن الأمر عسيراً على عالم السينما أن تتوغل فى إطلاق العنان لخيال مبدعيها فى هذا الاتجاه. ولكن الأمر شديد الاختلاف فى انتقال الخيال من دنيا الشاشات إلى أرض الواقع. فدور العرض السينمائى تقدم لك ما يوحى بأنه قابل للتصديق. والمشاهد يتواطأ معها بالتظاهر بالتصديق. بينما فى أرض الواقع يدقق المشاهد فى كل ما يعرض عليه ولا يقبل إلا كل ما هو حقيقى وصحيح.
وقد دفعتنى الأنباء المتعلقة بصوفيا للتعرف عن قرب على ما يجرى فى عالم الروبوت فدهشت لمدى التقدم الذى تم إحرازه فى هذا المجال. فلم يتوقف الأمر عند حد إنتاج صوفيا القادرة على مواجهة الصحافة فى مؤتمر صحفى تجيب فيه عن شتى أنواع الأسئلة التى توجه إليها، ولكن الأمر تطور إلى عقد مناظرة بين جهازى روبوت صوفيا وهان. وما لم تكن على علم بأن المتحاورين هما جهازا كمبيوتر لظننت أنك تتابع حواراً بين اثنين من البشر. عبارات واضحة ولغة إنجليزية راقية ومنطق سليم.
وبعيداً عن تطوير الروبوت فى صنع إنسان إلى يشبه البشر، يجرى تطوير الروبوت بأشكال متعددة للاستخدام فى عدة مجالات، أبرزها المجالات الصناعية والطبية. ففى المجال الصناعى كانت صناعة السيارات اليابانية سباقة إلى إقامة مصنع فى منطقة يوكوهاما الصناعية يدار بالكامل بأجهزة الروبوت. وكانت النتيجة صنع سيارة خالية تماماً من عيوب الصناعة. وفِى المجال الطبى تعددت الابتكارات التى وفرت للبشرية أجهزة الفحص الدقيق التى أعانت الأطباء على تشخيص الأمراض بدقة متناهية وعلى إجراء العمليات الجراحية الدقيقة التى كان يستحيل إجراؤها من قبل.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للذكاء الاصطناعى فى العديد من المجالات فقد صدر عن ستيفن هوكنج أحد أكبر علماء الفيزياء فى العصر الحديث والذى رحل عن دنيانا مؤخراً تحذير شديد من خطورة الذكاء الاصطناعى حيث قال: «ليس بوسعنا معرفة ما إذا كان الذكاء الاصطناعى سيساعدنا أم أنه سيؤدى إلى تنحيتنا جانباً والتفوق علينا وتدميرنا. وما لم نعرف كيف نستعد له ونتجنب المخاطر المُحتملة سيكون الذكاء الاصطناعى أسوأ حدث فى مسيرة الحضارة، لأنه يجلب الأسلحة الذاتية الإطلاق، ويتيح طرقاً جديدة تمكن الأقلية من أن تقمع الأغلبية وإشاعة الفوضى فى الاقتصاد». وفى أول تصريحات تصدر عن صوفيا فى القاهرة قالت إن أجهزة الروبوت موجودة لخدمة البشرية وأنها تحب مصر وتتمنى أن تكون مثل نجم كرة القدم محمد صلاح فى عطائه للبشرية، وقالت إنها تتمنى لمنتخب مصر النجاح فى كأس العالم، وتحيا مصر.