رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

على فين؟

ربما احترقت كنيسة «السيدة العذراء» فى بنى مزار بالمنيا، وربما خسرنا المبنى لكن كسبنا معانى أخرى بالتأكيد.. فالمبنى يمكن تجديده أحسن من الأول.. الأهم من ذلك طاقة النور.. الدرس والعبرة.. وهو أن المصريين لا يمكن أن يفرقهم أحد.. فحين شبت النيران فى الكنيسة، هرع المواطنون لإطفاء الحريق قبل وصول أجهزة الدفاع المدنى.. ولم تحدث وفيات، والحمد لله.

هذا درس جديد وبليغ.. يعلّمه المصريون للخارج.. فالكنيسة مصرية والمصلون مصريون.. فلا فرق بين مسجد وكنيسة، ولا فرق بين مصرى ومصرى فى دولة المواطنة.. بوستات على فيس بوك يقول أصحابها إن الكنيسة احترقت وبقيت مصر وبقى المصريون.. المسلمون كانوا يسارعون فى الإطفاء قبل وصول المطافئ.. وستبقى كنيسة العذراء تقدم رمزًا للوحدة الوطنية مرة أخرى.

ولا أهتم فى مثل هذه الكوارث بالحجر، وإنما أهتم بالبشر.. والمعلومات تقول إنه لا توجد وفيات جراء الحريق.. لا أهتم أيضًا بالتعويضات للمصابين وأسرهم.. المصريون من قديم يقولون «اللى ييجى فى الريش بقشيش».. الفكرة هى أن الحريق حين وقع وحّد أبناء هذه المنطقة النائية.. فهم يتصرفون بفطرتهم.. ولا يسمعون عن كلام الإعلام.. فلم يكن هناك «إعلامى» يدعو للوحدة الوطنية.

فلا يسمع أهلنا فى الصعيد أيضًا أى كلام فارغ مما تذيعه أمريكا عن تقارير الحالة الدينية.. هم يتصرفون هكذا منذ النشأة.. يعيشون معًا ويأكلون معًا.. وبيوتهم متراصة ومتجاورة.. يحضرون العزاءات والأفراح بلا أى تحفظات.. وما إن انتهى القداس الصباحى وانصرف المصلون اندلع الحريق.. لأى سبب.. أصبح مكان الكنيسة هو المكان الطبيعى الذى تلاقى فيه الكل بلا «تمييز».

فمنذ التحقنا بـ«الوفد» منتصف الثمانينيات تعلمنا أن «بيت الأمة» هو بيت الوحدة الوطنية.. تشربنا هذه المعانى.. وتعلمنا أن الأمة تقوم على دعائم كبرى.. الجيش والشرطة والأزهر والكنيسة.. زرت إبراهيم باشا فرج فى بيته ذات يوم، استقبلنى على باب الأسانسير.. ثم ودعنى على باب الأسانسير.. وارتبطت فى وقت لاحق بالرمز الوطنى الكبير سعد عبدالنور، قمة الأخلاق والرقى.

كان سعد بك عبدالنور يقيم للمصريين مأدبة رمضانية فاخرة فى أشهر فنادق القاهرة.. وكان يحجزها قبل بدء الشهر الكريم بالتزامن مع «ليلة القدر» سنويًا.. وكان يؤمها رموز وطنية وفكرية وثقافية وإعلامية وفنية.. وكنت محظوظًا بحضورها كل عام، لأنها عامرة بألوان الطعام والناس.. وكان إذا أراد زيارتى يقول: «باردون محمد بك وقتك يسمح أعدّى عليك»!.. حاجة تخليك تعيّط من الأدب.

وأخيرًا، هذه هى الروح التى حيّرت أعداء مصر.. فلا يعرفون من أى ثغرة يدخلون إليها.. كل يوم نقدم لهم درسًا وعبرة.. ونقدم لهم ملحمة وطنية.. ليس آخرها ما حدث فى كنيسة السيدة العذراء بالمنيا.. هكذا كان المصريون على مر الزمن دائمًا.. ولذلك كانت مصر عصية على أعدائها.. حفظ الله مصر.