رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

تبدو المسافة كبيرة وحافلة بالدهشة والاستغراب، بين التعليقات الغاضبة على الحوار الذى أجراه الإعلامى عماد الدين أديب على فضائية الحياة مع الإرهابى الليبى المتهم فى حادث الواحات «عبد الرحيم المسمارى» وبين الانطباع الذى خرجت به من متابعته. فقد كان لافتا للنظر أن معظم من علقوا على الحوار قد بالغوا  فى التركيز على طريقة إدارته، وعلى اسئلة المحاور وطريقته المألوفة الهادئة فى توجيهها، وكأننا  نتناقش فى قضية إعلامية لا قضية من أخطر القضايا التى تواجهنا الآن وهى قضية الإرهاب، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الطريقة  تنتمى لمدرسة إعلامية تكاد تكون نادرة فى الإعلام المصرى، الذى تحول فيه الإعلامى فى السنوات الأخيرة  من محاور يستجلى الحقائق، إلى مناضل سياسى يتكلم أكثر مما يسمع، ويجيب أكثر مما يسأل!

هل  قدم لنا الحوار نموذجا لكيف يفكر الإرهابى؟ وما هو المنطق الذى يستند إليه؟ وهل هناك وسيلة لإقناعه بخطأ هذا المنطق، أم أن الحوار معه لن يفضى إلى أية نتائج؟

كان ذلك من بين عشرات الأسئلة التى انتظرت أثناء متابعة الحوار أن أسمع اجابة لها فسمعت ما كنت متأكدة أن الإرهابى سيقوله. لكننى وجدت  بجانب ذلك إجابات أخرى تدعو للفزع والحذر ونوبات صحيان وتأهب واجبة. فالإرهابى شاب فى العشرينيات من عمره (25عاما) انخرط فى العمل الإرهابى داخل ليبيا وهو مراهق  أصغر من عشرين عاما، وهى المرحلة العمرية التى  يبحث فيها الإنسان عن مثل أعلى  يقتدى به، أو يمنح نفسه للدفاع عن  قضية وطنية أو اجتماعية أو سياسية, وهى نفس المرحلة التى  يختار فيها صناع الإرهابيين ضحاياهم، حيث تتكون لدي هؤلاء الضحايا منظومة قيم يصعب بعد ذلك التخلى عنها. وهذا هو ما يفسر حالة الثبات الانفعالى لدى الإرهابى الذى قال إنه من تيار السلفية الجهادية، وهو لا يجد فى كل ما قاله عماد أديب ما يدعوه  لمراجعة أفكاره، أو الندم لقتله أبناء بلده، مبررا قتلهم بأن «الرسول قتل أعمامه لأنهم خرجوا على الملة «فالقتل لديه ليس جريمة، ولا يشعر بالإثم ولا تأنيب الضمير لأنه يقضى على حياة الآخرين، من أجل «تحكيم شرع الله فى الأرض.. وإقامة الخلافة الإسلامية «وهو لا يأبه أصلا بالحياة فهو فى الواحات لم يستسلم لمن حاصروه لأنه «كان يريد المقاومة والشهادة فى سبيل الله».

كشف الحوار حالة الاستلاب العقلى للإرهابى التى دفعته للانسحاق الكامل للشيخ الذى جنده, وللأمير الذى يتبعه، بحيث بات ينصاع  دون سؤال أو مناقشة لكل أوامره، حتى أنه لم يكن  يعرف ولا خطوة واحدة من الخطة التى أتى  من أجلها إلى الواحات، انتظارا للأوامر والتعليمات. وبهذا ينجح أمراء الإرهاب وشيوخه فى إغواء عناصر من المراهقين للانضمام لهذه التيارات المخربة، ليس فقط للمجتمعات والحضارات، ولكن المدمرة  للنموذج البشرى السوى  والمشوهة له، وتحويله من إنسان خرج للعالم  بفطرة سليمة إلى وحش مفترس يمتهن بقلب بارد وضمير منعدم القتل والذبح والسبى  والسرقة ونهب ثروات الأوطان!

غير أن أخطر ما كشف عنه الحوار هو الدعم الذى حصل عليه الإرهابيون من قبل البيئة التى احاطوا بها. وفضلا عما كان لديهم من وسائل اتصال متقدمة  تستخدم مباشرة الأقمار الصناعية، وأسلحة مضادة للطائرات والدبابات، وعربات الدفع الرباعى، فقد كانوا طوال الوقت يتحركون تحت غطاء من قوى خفية لا نعرفها، تزودهم بالمياه والوقود والطعام، وفرق من قصاصى الأثر تقودهم  إلى وجهتهم داخل هذه الصحراء الشاسعة. وهكذا أظهر الحوار بجلاء أن الإرهاب بات صناعة شديدة التعقيد، تستخدم فيها كل الأدوات والوسائل، الواضح منها أقل بكثير من المغمور تحت جبال من الثلوج، وفى القلب من تلك الوسائل المتاجرة بالأديان .

وهنا  مربط الفرس الأجدر بالتوقف والمناقشة،  ودق نواقيس الخطر، والتأهب لمواجهة جادة وحاسمة، بدلا من شهوة المنافسة البارعة  فى خلط  كل الأوراق!