رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

فجأة ودون سابق إنذار انطلق الإعلام الفضائى والإذاعى والورقى فى حملة هجوم عاتية على المطربة شيرين، بعد تسريب مقطع فيديو ينطوى على  تعليق  سخيف وسقيم الذوق والوجدان قالته فى حفل غنائى مضى عليه أكثر من عام، ظنت فيه بغشومية وجهل أنها تستظرف، وهى ترد على طلب مستمعة لأغنية مشربتش من نيلها، قائلة بلاش حيجيلك بلهارسيا، اشربى ايفيان أحسن. وعلى الرغم من أن المطربة اعترفت بخطئها الوارد فى التعليق واعتذرت عنه لجمهورها وبلدها، وتعهدت بعدم تكراره، فإن كل ذلك لم يكن كافيًا، فجمدت نقابة الموسيقيين عضويتها وأعلنت وقف منحها  تصاريح لحفلات الغناء، وقررت اجراء تحقيق معها. أما الهيئة الوطنية للإعلام فقد منعت بث أغانيها على الشاشات والمحطات الإذاعية المملوكة للدولة، وأقام احد المحامين دعوى جنح مستعجلة لمحاكمتها بتهمة إهانة مصر وشعبها. ولم يتأخر المحامى سمير صبرى عن ممارسة عادته، فسارع بتقديم بلاغ فى المطربة التى تتربع الآن على عرش الغناء فى مصر للنائب العام، يتهمها بضرب السياحة فى مقتل والتأثير على الاقتصاد القومى. ولم يتأخر «عمرو مصطفى» ملحن أغنية «ماشربتش من نيلها» عن الانضمام إلى القافلة بالمطالبة بمنح الأغنية لغيرها. أما القنوات الخاصة فقد أرادت أن تخرج من المولد ببعض الحمص، فأذاعت مقطع الفيديو وانتقدته، ثم تبعته بتقرير عن تعثر مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا والسودان، بعد رفضهما التقرير الفرنسى الذى قبلت به الإدارة المصرية، فى ربط ساذج وتافه وشرير ولا محل له سوى إثبات المشاركة فى الحملة، بين التعثر المستمر منذ سنوات  فى تلك المفاوضات، وبين التعليق السمج للمطربة عن البلهارسيا فى مياه  النهر.

يحتاج المرء أن يلغى عقله كى يصدق أن جملة عابرة مهما كانت قسوتها من شأنها الإضرار بالسياحة وبالاقتصاد القومى. ويحتاج المرء أن يلغى عقله لكى يصدق أن هذه الحملة الواسعة النطاق هى من قبيل المصادفة البحتة، وأنها ليست مدبرة عن عمد لتحقير شيرين وإذلالها  لأسباب غير معلنة وليس عن خطأ فادح لا يستطيع أحد انكاره، لكن الله غفور رحيم، فما بالكم لا تستقون منه رحمته؟ وما هذه الحمم العدوانية التى انطلقت فى كل اتجاه؟ وهل سترد الكرامة لمصر  ولهيبة مياه النيل إذا ما تم اسكات صوت مطربة بحجم موهبة شيرين وقهرها؟ قل لى بالله عليك ما معنى أن هذا المقطع موجود لدى من بثه منذ 11 شهرا مضت، ولماذا يجرى بثه  الآن؟

إن نهر النيل محمى بقوة الدستور الذى لا ينفذ، ولم ينتفض أحد طلبا لتطبيق النص الدستورى الذى يقضى بأن تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها.. وتحظر التعدى على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل إزالة ما يقع عليه من تعديات. هذا النص الدستورى يجرى الاعتداء عليه جهارا نهارا دون أن ينتفض أحد، وحتى أجهزة الدولة تقف عاجزة أمام التعديات شبه اليومية على مياهه، وأمام المطاعم التى تنتشر كالفطر على ضفتيه وتلوث بمخلفاتها مياهه وسط صمت الجميع  أمام جبروت أصحابها!

العدوان السارح اللفظى والبدنى الذى بات سمة للمجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة، هو مرض طبقا لتعريف علماء النفس، يستهدف الظلم والتحقير وإظهار الرغبة  فى التفوق على الآخرين، وإلحاق الأذى البدنى أو النفسى المتعمد إليهم بالاستخفاف والسخرية منهم. وهذا العدوان الذى طال هذه المرة شيرين، وسيطول غيرها بعد فترة وجيزة، هو استجابة طبيعية  للأفراد والجماعات  للشعور بالنقص والإحباط والغيرة والحرمان وللإحساس بالدونية، فرشدوا سلوك شيرين وأفهموها أن طلب سماع الأغنية كان تكريما لها ولبلدها، وأن ردها اساء إليها أكثر من غيرها، بدلا من اغتيالها معنويا ليكون ذلك بداية للشفاء من هذا المرض العضال.