رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

أثناء زيارته باريس التى انتهت يوم الخميس، قال الرئيس السيسى فى مؤتمر صحفى، إننا نسعى لبناء مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وإذا لم تكن الذاكرة خائنة كما هى عادتها، فهذه هى المرة الأولى منذ توليه السلطة التى يذكر فيها الرئيس السيسى  فى تعريفه للنظام الذى يتطلع بدأب لتأسيسه، مصطلح الدولة المدنية. وهذا المصطلح اعتاد مثقفون وقوى سياسية وأحزاب  وكتاب وصحفيون فى مصر والعالم العربى على استخدامه خلال السنوات الأخيرة بديلا عن مصطلح العلمانية، تحت وطأة الضغوط  التى مارستها  التيارات الدينية المتشددة، التى نجحت بالتواطؤ مع السلطات العربية الحاكمة فى تلويثه، وإقناع العامة وبسطاء المواطنين بأنه مصطلح  قرين بالإلحاد والكفر والزندقة  ومعاداة الأديان. ولأن دعاة الدولة الدينية لا يؤمنون بالمساواة ولا بالدولة الوطنية، ومستعدون على الدوام لتزوير الحقائق وتزييفها وإلباسها ما ليس فيها، فمصطلح العلمانية يعنى تحديدا فصل الدين عن السياسة وعن الدولة، وهو معنى لا علاقة له بالتدين، بل بالطرق التى تدير بها الدول شئون مواطنيها بشكل لا يفرق بين المواطن والمؤمن، وبما يحفظ المساواة التامة فى الحقوق والواجبات  العامة، بصرف النظر عن الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون أو العرق أو الوضع الاجتماعى، وأن يغدو  كل هؤلاء سواسية أمام سلطة القانون، وأن تقف الدولة حينئذ على مسافة متساوية من جميع الأديان، وأن تضمن للمنتمين إليها تأدية شعائرهم وعقائدهم الدينية بحرية تامة ودون أدنى شبهة تمييز بينها. وبهذا المعنى تصبح الدولة المدنية هى نفسها الدولة التى تطبق العلمانية فى نظامها السياسى.

ليس بعيدا عن الذاكرة، المعركة العنيفة التى قادها حزب النور السلفى فى لجنة الخمسين التى صاغت دستور عام 2013، لكى تخلو مواده من مصطلح دولة مدنية، لإدراكهم التام المعنى الذى ينطوى عليه هذا المصطلح. فما دامت غايتهم هم وكافة التيارات الدينية المشتغلة بالسياسة والمتاجرة بالدين «أن الإسلام هو الحل» فقد رفضوا  أى اقتراح  يدعو  لتعديل نص المادة الثانية من الدستور لكى تصبح الشريعة مصدرا من مصادر التشريع، بدلا من أن تكون «المصدر الرئيسى للتشريع» حفاظا على حقوق المواطنة، ناهيك عن استخفافهم بمن طالبوا أثناء مناقشات إصدار الدستور بإعادة المادة إلى ما كانت عليه فى دستور 1923، ونقلها عنه دستور 1954 ونصت على أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية» حين كانت مصر فى بداية القرن الماضى  دولة مدنية بحق الدين فيها لله والوطن للجميع.

لكى تصبح مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة كما نحلم مع  الرئيس السيسى, فلا بديل أمامها سوى تنفيذ نصوص الدستور الذى يحظر بشكل واضح قيام أحزاب دينية ومحاصرة  أنشطة هذه الأحزاب بدلا من أن يفتح لها  ليس فقط  أبواب الدعوة فى الزوايا وفوق  المنابر لنشر التطرف والفتن الطائفية  والتخلف الاجتماعى والعقلى وتخريب عقول الناس، بل أيضا  ساحات  البرلمان ليصبحوا حجر عثرة أمام أى تشريع يساهم فى تجديد الخطاب الدينى وتحديثه، وليساهموا بدور بارز فى تكريس  المشهد البرلمانى البائس!

وحتى يكون الأمر واضحا أمام الجميع، فإن الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ليست هى الدولة التى تعتمد الانتخابات كأساس لتداول السلطة، أو التى يقوم فيها نظام الحكم على التعددية السياسية والفكرية، أو التى يقوم نظامها السياسى على مبدأ الفصل بين السلطات، والتعاون فيما بينها، ويضمن فوق ذلك كل الحريات والحقوق العامة، ولكنها الدولة التى  تنطوى وثائقها الدستورية وتتضمن ممارستها العملية ذلك كله، وتصونه وتحرص على أن يستمر ويدوم، إذ البديل عن شىء من ذلك، سبق أن تجرعناه ومازلنا نئن من آثاره، وهو الفراغ السياسى، الذى يمنح القوى التى تتقنع باسم الدين وتتاجر به، الفرصة للتمدد والسيطرة، وجر بلادنا  مرة أخرى إلى ظلام العصور الوسطى.