رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضربة قلم

تتعرض رموزنا الإسلامية والوطنية من حين لآخر لهجمات شرسة تتسم بالشذوذ وسوء الطوية. ذلك اللواط الفكرى الذى يجمع بين بعض مفكرينا والمستشرقين يهدف إلى تفريغ التاريخ القومى من مفاخرة وتجريد الشعب المصرى من ماضيه وأمجاده وطمس علاماته المضيئة للأجيال المتلاحقة. والتشكيك فى ثوابته الدينية والتاريخية. ولم تنج سيرة الزعيم أحمد عرابى من افتكاسات غير المؤرخين والمتخصصين التى لاتقل خطورة فى نتائجها وتداعياتها عن الفتاوى الدينية المتطرفة.. سيرة عرابى ومسيرته محسومة تاريخيًا وليس لمن بعده سوى تقييمها. وقد نصطدم ببعض الملاحظات والمؤاخذات فى تلك السيرة لكنها لاتصل إلى حد تجريده من مزاياه ونضاله فهى ليست مجرد رتبة ونياشين عسكرية تم حرمانه منها. ومن بين الثوابت التاريخية المحققة من جانب المؤرخين المصريين والأجانب واقعة قصر عابدين. ومن الثابت تاريخيًا أيضًا أنه بعد القبض على عرابى ورفاقه عقد الخديو توفيق العزم وبيّت النية على محاكمتهم أمام محاكمة عسكرية عكس ما تمنى عرابى تنتهى بإعدامهم. وتمكن الإنجليز من تنفيذ إرادتهم بتعيين المحاميين الإنجليزيين «برودلى» و«نيبير» بناء على ترشيح صديق عرابى الكاتب الإنجليزى ولفريد بلنت ليتوليا الدفاع عنه. واستطاع المحاميان التوصل إلى تسوية من شأنها ألا تزيد العقوبة عن النفى وهو ما توافق مع رؤية اللورد جرانفيل وزير الخارجية البريطانى الذى رفض عقوبة الإعدام أو السجن فى السودان مع الأخذ فى الاعتبار عدم جرح كرامة الخديو.. كانت التسوية تتلخص فى استبعاد جميع التهم الموجهة إلى عرابى وزملائه ما عدا تهمة التمرد على أن يُقدم المتهمون إلى المجلس العسكرى بهذه التهمة وأن يعترفوا بأنهم مذنبون وأن يتم الحكم بإدانتهم وإعدامهم ثم يُتلى بعد الحكم مباشرة أمر من الخديو بالعفو عن عقوبة الإعدام واستبدالها بعقوبة النفى وتجريد المتهمين من رتبهم العسكرية ومصادرة أموالهم ما عدا أموال زوجاتهم. وتضمنت التسوية التزام عرابى وزملائه بكلمه شرف أن يقبلوا النفى إلى أى جهة يتم تحديدها وتتكفل الحكومة المصرية بتقدير مرتب مناسب يكفى الانفاق عليهم .وبعد أن وافق عرابى على التسوية حماية لزملائه خالجه شىء من التردد فقال لمح

اميه كيف اعترف بأننى متمرد؟ ألم أطع أوامر السلطان والخديو؟ ولماذا انتقل الخديو إلى البوارج الانجليزية؟ أيمكن أن اُسمى متمردا لأننى أطعت إرادة الشعب المصرى؟ ثم باغت محاميه بسؤال أخير هل سبق لإنجلترا أن عاملت عدوا هزمته بهذه الطريقة؟ فإجابة «برودلى» بأنه نفس ما حدث مع نابليون. وعقدت المحاكمة فى الثالث من ديسمبر وانتهت سريعًا وفقًا لما هو متفق عليه. والطريف أن سيدة روسية ثرية، كما يحكى بلنت أرسلت خطابا إلى السلطات الانجليزية تعرض الزواج من عرابى الذى لم يعلم بهذا الخطاب. بل ان إحدى الأميرات أرسلت إلى عرابى خطابا أثناء الحرب تطلب منه الزواج بها لأنه منقذ مصر وأجاب عرابى عليها لأنه طلب منها أن تلزم قصرها. سادت الفرحة جموع المصريين وفئاتهم بنجاة عرابى من الإعدام وتأنقت المرأة المصرية ونزلت إلى شوارع القاهرة لتعبر عن فرحتها وقامت سيدات الأسر الراقية فى هدوء وسرية بإرسال هداياهن الثمينة والملابس إلى عرابى قبيل تنفيذ قرار النفى . وباستثناء والده الخديو توفيق وزوجته فإن أميرات الأسرة العلوية كن يعطفن على عرابى وتبرعت والدة الخديو إسماعيل التى وصفت توفيق بأنه ضعيف وابنتها الأميرة جميلة هانم بكثير من الخيول والعتاد والهدايا إلى جيش عرابى عقب ضرب الإسكندرية. وبعد بضعة أيام من المحاكمة فوجىء «برودلى» محامى عرابى برسالة من الأميرة أنجه أرملة سعيد باشا حاكم مصر السابق تشكره فيها على مجهوداته لإنقاذ عرابى من الإعدام ثم التقته وحكت له أن أميرات الأسرة العلوية كن يؤيدن عرابى وينظرن إليه نظرة المدافع عن البلاد ضد الإنجليز الذين التجأ إليهم الخديو, وذكرت له أنهن عقدن اجتماعات كثيرة حضر بعضها الأمراء إبراهيم وأحمد وكامل وقرروا مساعدة عرابى وأنهن كتبن له رسائل وبرقيات أثناء الحرب للتهنئة والتشجيع. وعندما منع البوليس المصرى زوجة ابن عرابى وشقيقتها من الخروج من المنزل لتوديع حميها أصر السير ولسن فى لهجة حادة وحازمة لعثمان غالب باشا بعدم تحرك القطار الذى يحمل عرابى للسويس قبل أن تحضر السيدتان. قد يأخذ البعض على عرابى موافقته على توكيل محاميين إنجليزيين وأذعانه للتسوية والاعتراف بتهمة التمرد لكنه لم يسع لإنقاذ رقبته قدر سعيه لإنقاذ زملائه.. مصر كلها كانت مع عرابى وثورته ارتقت إلى ذروة البطولة والشرف والانسانية وهى صفات جديرة بأن تضمن له مكانًا ومكانة فى سجل الخالدين.