عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حرصا من الأزهر الشريف نحو التصدى لخطاب الكراهية، الذى تثيره أقلام مسمومة ومنابر مشبوهة وفهوم معوجة من حين لآخر؛ وصولا إلى الحكم على الناس بالفسق والتكفير ونحو ذلك، ما يبعث بالفتنة وينشر الكراهية بين أفراد المجتمع، فقد آثر أن يضع بين أيدى المعنيين بالأمر وجهة نظره فى صورة مقترح أعدّه وعنّوَنه بـ«قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدّين»، وذلك انطلاقاً من رسالته الوطنية والإنسانية.

وعجبا أن نجد بعضًا من الناس ينكرون على الأزهر ذلك، وكأن لسان حالهم يقول إنّى للأزهر أن يتقدم بهذا المقترح، وكأن الأزهر ليس من مؤسسات الدولة وكأن رجاله ليسوا من جملة المصريين، أوليس للأزهر ورجاله ما لهؤلاء من نصيب فى حرية الرأى والتعبير التى يتشدقون بها صباح مساء!!!

ألم يكن الأزهر الشريف قد أوضح من قبل أنه إنما يهدف من وراء هذا المقترح إلى وقاية المجتمع من نشر المفاهيم المغلوطة التى تباعد بين أفراده وتمسّ شعورهم، وتنال من حقائق دينهم، وترسيخ القواعد الأخلاقية والقيم المجتمعية الفاعلة فى نشر ثقافة التسامح والسلام، وتقرير الموضوعية بشأن الاختلاف والحوار استبقاءً لأدبهما، ومنع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والرسل، ومنع التعدى على الكتب السماوية ودور العبادة ونحو ذلك مما تأباه الفطرة السليمة.

إذن فما الذى يضير هؤلاء القوم من تجريم مثل هذه الأفعال التى يتضمنها هذا المقترح!!!

لا سيما أن مواد هذا المقترح تتسق جميعها لتسهم فى تحصين الحرية واستبقائها، دون أن تتخذ هذه الحرية وسيلة أو سبيلًا للطعن فى الأديان السماوية أو المساس بالكرامة الإنسانية. 

فالحرية أيها القارئ الكريم حق فطرى لكل إنسان، ومن ثم فلا يقبل بحال أن توظّف لإثارة الكراهية والعنف باسم الدين، وإن من كنوز قضائنا المصرى ما قضت به محكمة النقض فى هذا الصدد أنه: «وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور إلا أن هذا لا يتيح لمن يجادل فى أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحطّ من قدره أو يزدريَه عن عمد منه، فإذا ما تبين أنه إنما كان يبتغى بالجدل الذى أثاره المساس بحرمة الدِّين والسخريّة منه فليس له أن يحتمى من ذلك بحرية الاعتقاد».

كما أن المنطقة الإعلامية الحرة تقرر أن من ضوابط العمل الالتزام بالبند رقم (8)، والذى ينص على: «عدم بث أى مواد إعلامية من شأنها الحث على التطرف وإثارة الفتن والحضّ على كراهية وازدراء الأديان».

هذا وتؤكد جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على احترام الحق فى حرية التعبير، لكن الفصل «19» من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية يضع بعض الشروط التى تضبط هذا الحق، لا سيما فى الفقرة الثالثة من هذا الفصل، التى تؤكد على أن حرية التعبير يجب ألا تمس حقوق الآخرين والنظام العام والنظام الداخلى للدول.

 وكذلك المادة (20) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، التى تجرّم كل الأعمال التى تؤدى إلى نعرات طائفية أو دينية أو عرقية عبر البند التالي: «تحظر بالقانون أى دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكّل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف». كما أن هناك إعلانًا عالميًا بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائميْن على أساس الدّين أو المعتقد صدر سنة 1981 م، حيث ينص فى مادته الثالثة على أن:

«يشكّل التمييز بين البشر على أساس الدّين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكارًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويجب أن يشجب بوصفه انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، التى نادى بها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والواردة بالتفصيل فى العهدين الدوليين الخاصّين بحقوق الإنسان، وبوصفه عقبة فى وجه قيام علاقات وديّة وسلّمية بين الأمم».

وهنا يبدو الفارق الجوهرى بين العبث بالدين وحرية التعبير، حيث يشكل تكوين حرية الرأى والتعبير حقًا إنسانيًا خالصًا؛ فلكل شخص الحق فى تكوين آرائه وله التعبير عنها بجميع الوسائل السلّمية، وهذا ما نص عليه الدستور المصرى الصادر فى 2014م فى المادة «65» منه والتى جاء فيها: «حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر».

 ومن الضرورة بمكان أن تكون حرية الرأى والتعبير ضمن حدود القانون، حتى لا يكون هذا الحق المكفول للأفراد وبالًا على المجتمع، حينما يصبح دون قيد أو ضابط إلا الهوى والتشهي، ما يؤدى قطعًا إلى ازدراء الأديان، وانتهاك مقدساتها وقواعدها وحرمات شعائرها، والتعدى على حقوق الآخرين فى الحفاظ على شرفهم وسمعتهم، وحرمة حياتهم الخاصة، ومعتقداتهم الدّينية. 

لذا تقول المحكمة الدستورية العليا: « إنّ حرية العقيدة التى نص عليها الدستور فى المادة «46»…  بأن هذه الحرية فى أصلها تعنى ألا يحمل الشخص على القبول بعقيدة لا يؤمن بها أو التنصل من عقيدة دخل فيها أو الإعلان عنها، أو ممالأة إحداها تحاملاً على غيرها، سواء بإنكارها أو التهوين منها أو ازدرائها، بل تتسامح الأديان فيما بينها ويكون احترامها متبادلاً».

«حفظ الله مصر وأزهرها الشريف من كل مكروه وسوء».

 

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف