رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

من أطرف التعليقات التى حملتها وسائل التواصل الاجتماعى هذا الأسبوع، تعليق يقول إن الرئيس السيسى يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى فى مصر، فيلبى الدعوة الرئيس السبسى فى تونس. والمناسبة هى الخطاب الذى ألقاه الرئيس التونسى قبل نحو أسبوعين، فى الذكرى الحادية والستين لصدور قانون الأحوال الشخصية التونسى، الذى أصدره زعيم الاستقلال التونسى الحبيب بورقيبة عام 1956، ويقضى بمنع تعدد الزوجات وحظر زواج الإكراه وتجريم الزواج العرفى، وتحديد سن للزواج، وجعل الطلاق موثقًا أمام المحاكم. وفى خطابه اقترح الرئيس التونسى المساواة بين المرأة والرجل فى الميراث وإلغاء القانون الذى يمنع المرأة التونسية من الزواج من غير المسلم، وطالب لجنة من الخبراء بدراسة المقترح، الذى بادر إلى تأييده مفتى الجمهورية التونسية، ونواب حزب النهضة الإخوانى وعدد من قادته.

وبصرف النظر عما إذا كان اقتراح «السبسى» يحمل أبعادًا سياسية تصوب النظر نحو ديسمبر المقبل حيث تجرى أول انتخابات بلدية فى البلاد منذ الثورة التى أطاحت بنظام بن على قبل ستة أعوام، وتراهن على استعادة أصوات النساء الغاضبة من تحالفه مع حزب النهضة الإخوانى، وهى التى ساهمت فى إنجاحه فى الانتخابات الرئاسية عام 2014، وجذب تلك الأصوات من جديد لدعم حزبه نداء تونس فى الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها بعد عامين فى 2019، أم هو استجابة لضغوط الحركة النسوية التونسية ذات الحضور المؤثر فى المجتمع التونسى الداعية للالتزام بالمعايير الحقوقية الدولية لتحقيق المساواة التامة بين النساء والرجال، فإن الاقتراح هو دعوة للتفكير والاجتهاد، تتسلح بميراث علماء الدين المجددين فى الفقه والتاريخ الإسلامى أمثال الأفغانى والطهطاوى ومحمد عبده وقاسم أمين وعلى عبد الرازق وطه حسين  وأحمد أمين وغيرهم، وتستند بشكل خاص إلى تراث فكرى تونسى ممتد منذ ثلاثينيات القرن الماضى.

ففى أواخر عام 1930 أصدر المفكر الاصلاحى التونسى «الطاهر الحداد» كتابه الرائد «امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» والذى دعا فيه إلى قراءة جديدة للنص الدينى تأخذ بعين الاعتبار الواقع المتغير الذى يشكل مصالح الناس ومصائرهم وتقتضيه روح العصر، ونادى فيه بمنح الحقوق المدنية للمرأة مثل تولى منصب القضاء ومنع تعدد الزوجات والمساواة فى الميراث، موضحا أنها من الأحكام العرضية لا الثابتة التى توجبها الظروف، وليس فى غيابها ما يضير الإسلام فى شىء. وفى كتابه أكد الحداد «أن الإسلام ليس هو المسئول عن المصير البائس الذى انتهت إليه المرأة فى المجتمع الإسلامى «المسلمون» أنفسهم يتحملون تبعة هذا البؤس وذلك بسبب انكارهم قانون التغير الاجتماعى، ولضرورة التوفيق بين الشريعة والظروف المستجدة، وتعطيلهم حركة الفقه الإسلامى».. وبسبب حبهم للاختباء «وراء الخطر المزعوم لكل محاولة اجتهاد جديدة». وهذه الرؤية الاصلاحية التى تصالح بين الشريعة واحتياجات العصر، وتخدم الإسلام أكثر ممن تصدوا لنقدها وتكفير قائلها ومحاصرته وحرمانه من العمل، ومصادرة كتابه، هى التى استند اليها بورقيبة فيما بعد فى سن قوانين الأحوال الشخصية، وهى الرؤية التى يعيد الرئيس التونسى التذكير بها داعيا المجددين من علماء الفقه والشريعة إلى البحث والتجديد، بتغليب خطاب العقل على خطاب النقل، وتقديم الاجتهادات الفقهية التى لا تتعارض مع المصالح العامة، بديلا للخطاب الدينى التقليدى الذى يخشى التفكير والتجديد والاجتهاد حتى لا تتقوض سلطة شيوخه فى احتكار التحدث باسم الدين.

الحملات الصاخبة التى استقبلت اقتراح الرئيس التونسى، بدأت برفض الاقتراح وانتهت بوصم صاحبه بأنه كافر ومرتد وعلمانى ملحد، كما وصفه الداعية الهارب وجدى غنيم. ومن الملفت للانتباه تشابه هذه الحملات مع تلك التى شنها مشايخ تونس ضد المفكر الطاهر الحداد، وعلى الذين يقودون الحملة الآن على الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى، أن يتذكروا أن الحداد دخل التاريخ كمفكر اصلاحى جسور، فيما توارى فى الظلام مشايخ الفكر التلفيقى من دعاة التزمت وتزيين العنف والتطرف ممن تصدوا لانتقاده!