رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضربة قلم

عندما كنت فى المرحلة الابتدائية، صحونا يوم الخامس من يونيه على صوت صفارات الخطر التى لم تنقطع للتنبيه بوقوع غارة جوية، وعندما حان موعد الإرسال الإذاعى قام أبى - رحمه الله - بتشغيل جهاز الراديو، وانتظرنا معه بفارغ الصبر انتهاء القرآن الكريم، ثم ظللنا نستمع لبعض الوقت إلى صوت المذيع الذى لم يقل سوى عبارة واحدة «هجمت إسرائيل على الجمهورية العربية المتحدة»، وكأنها رسالة مسجلة، ويعقبها مارشات عسكرية وأغانٍ وطنية. ولما انتصف النهار، كان المذيع أحمد سعيد يعلن فى بيانات ينتظرها أبى ونحن حوله على أحر من الجمر عن إسقاط 60 طائرة ومرة 30 طائرة، ومع كل بيان نتهلل فرحاً، وأسمع صيحات الفرح تأتى من شارعنا، ورأيت أهل الشارع يتعانقون ويتصايحون ويهتفون باسم عبدالناصر، وسقوط الإمبريالية الأمريكية، وظللنا نسمع صوت المدافع التى تنطلق من قلعة صلاح الدين وباعة الصحف يبيعون صوراً لعبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر مكتوباً عليها الآية الكريمة «إن ينصركم الله فلا غالب لكم». وبعد أن تكشفت الحقيقة والهزيمة جلسنا حول الطبلية لتناول طعام الغداء وجلس أبى حزيناً، وأفلتت من عينيه دمعة عزيزة انسابت على خده، وهو يردد بطريقة أشبه بالهذيان «إزاى ده حصل»، وعشنا أياماً أسود من قرن الخروب، ومع كل صفارة من صفارات الخطر نهرول إلى المخابئ، وتتعالى صيحات رجال الدفاع المدنى التى تدعو لإطفاء الأنوار، وقمنا بطلاء زجاج النوافذ باللون الأزرق الذى ما أن ننتهى من طلائه حتى يتحطم بفعل ضغط الصوت الذى كانت تحدثه الطائرات الإسرائيلية التى اخترقت سماء القاهرة، وانتشرت سواتر الطوب أمام مداخل البيوت والأبنية وعانينا من نقص الخدمات والسلع الغذائية لأن الحكومة وجهت كل شىء لإعادة بناء الجيش ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وكم قرأت على الجدران شعارات الصمود حتى النصر، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وعشت سنوات من القلق والرعب والحرمان أثناء حرب الاستنزاف، ثم شيعنا عبدالناصر فى جنازة مهيبة، وتولى بعده الرئيس السادات الذى بدأ عهده بثورة 15 مايو التى تخلص فيها من مراكز القوى.. وأنا فى الصف الثالث الإعدادى فاجأ السادات العالم بحرب أكتوبر والعبور العظيم وفرحتنا بالنصر جعلتنا لا نشعر بالمعاناة اليومية فى طوابير المجمعات الاستهلاكية؛ بحثاً عن كيلو سكر أو أرز أو فرخة مجمدة حتى الصابون والكبريت كان يتعذر وجودهما إلا فى السوق السوداء، فضلاً عن طفح المجارى، وانقطاع الكهرباء والمياه المستديم، وزحام الأوتوبيسات وتقبلنا بصبر ما ردده «السادات» من أنه تسلم تركة ثقلة وخربانة من عبدالناصر، ووافقنا بحسن نية على طلبه بشد الحزام.. كانت الثلاجة والغسالة ماركة إيديال وبوتاجاز المصانع تستغرق سنوات حتى يحل الدور، وقائمة الانتظار لحجز خط التليفون تمتد لمدة تصل إلى عشرين عاماً دون مبالغة، وأكلنا أوراك الحدايات والفراخ الفاسدة على يد توفيق عبدالحى، وعرفنا فى عهده الانفتاح الاقتصادى، وانتشرت مقولة «اللى مش ها يغتنى فى عهد السادات عمره ما ها يغتنى»، دليلاً على انتشار الفساد، وأثبتت الايام خطأ هذه العبارة؛ لأن فساد مبارك وآله وأصحابه ورجاله فاق كل حد، كما عرفنا ديمقراطية الجرعات، وفى المرحلة الجامعية اغتيل السادات عقب تعديل الدستور ليبقى رئيساً مدى الحياة، وطلع مبارك من تحت الكرسى بالمنصة ليعتلى كرسى عرش مصر، واستهل عهده بمؤتمر اقتصادى؛ لأنه تسلم تركة ثقيلة وخربانة، ولا بد من إصلاح الحال المايل، وضحكت علينا الست شادية فى غنوتها «مصر اليوم فى عيد» عندما قالت بكره أحلى من النهاردة، لأن بكره كان زى إمبارح ولا المايلة اتعدلت.. وفى عهده عرفت أن الشرف والكفاءة مش كل حاجة، وكنت أحدق فى صورة المرحوم أبويا، وأسأله انت ربيتنا صح ولا غلط وتأكدت أن الفقر قرين الشرف، ورضيت بفقرى وشرفى لأن الغنى غنى النفس زى ما علمنى أبويا، وعندما تولى الرئيس السيسى فرحت ولكن وضعت يدى على قلبى حين قال أيضاً إنه تسلم تركة ثقيلة وخربانة، ثم وضعت يدى على خدى بعد قرارات التعويم ورفع الأسعار المتتالية.. قضيت عمرى كله وقربت أطلع معاش أو أموت أيهما أقرب وأنا أقاسى وأعانى وأدفع فاتورة إصلاح اقتصادى لم يتحقق، ثم أجد من يقول ادعم بلدك بالصبر والدوا مر بس بيشفى.. هو مكتوب علىَّ داء الفقر ومفيش مرة أدوق عسلك يا مصر.. والنعمة الشريفة يا ريس أنا مصدقك ان التركة ثقيلة.. أنا صدقتكم رئيس وراء رئيس وحكومة ورا حكومة طب أنا مين يصدقنى لما أقول إنى تعبت وكفرت من العيشة واللى عايشينها ولا بلدنا الشبعان فيها لا يصدق الجائع.