رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

أحوالنا

أستعير عنوان هذا المقال من اسم العرض المسرحى «يوم أن قتلوا الغناء» الذى يقدم حالياً على مسرح الطليعة من تأليف محمود جمال وإخراج تامر كرم. وقد سعدت بمشاهدة هذا العرض المتميز دون سابق معرفة بمدى جودته، فقد توجهت إلى المسرح بناء على توصية صديق أثق فى ذوقه الفنى، ولكن لم أكن قد صادفت أى نقد فنى يرشح للجمهور مشاهدة هذا العمل الذى يأسر المشاهدين من المشهد الأول حتى إسدال الستار عند نهايته. ويمثل هذا العمل إلى جانب العرض المسرحى الآخر الذى يعرض حالياً على مسرح السلام «قواعد العشق الأربعون» بوادر صحوة مسرحية نرجو لها أن تكتمل وأن تعيد إلى المسرح المصرى شبابه وعافيته بعد طول سبات.

تتناول مسرحية «يوم أن قتلوا الغناء» فكرة بسيطة تدور حول حاكم ظالم يدعى «سيلبا» تتحكم فيه هلاوس دينية من نسج خياله تجعله يقتل أو يأمر بقتل كل من يضبط متلبساً بتهمة الغناء. وعلى النقيض منه نجد شقيقه «مدى» المحب للحياة الذى يعمل على نجاة البشرية مما هى فيه من ظلم وعسف أخيه. ومن أجل تحقيق حلمه قام بمعونة أنصاره ببناء سفينة مثل سفينة نوح فى قلب الصحراء على أمل أن يحمل الطوفان يوماً ما هذه السفينة بركابها الناجين إلى بر الأمان. ويدور الصراع الدرامى بين الشقيقين، حيث يعتمد أحدهما على السطوة والجبروت وسفك الدماء لفرض إرادته، بينما يعتمد الآخر على الحب والفكر والحريّة وسيلة للتعايش بين البشر. وبالقرب من نهاية العرض، حيث يتخلص «سيلبا» الجبار من كل معارضيه وبينهم شقيقه «مدى» الذى كان يستثنيه طوال الوقت من عقوبة القتل، وبعد أن أظلمت الدنيا واكفهرت، تأتى لحظة التنوير التى قلبت الموازين رأساً على عقب. ولن أسترسل بما قد يفقد القارئ الذى قرر الذهاب بنفسه لحضور العرض متعة المشاهدة. يبقى أن أثنى على عناصر العمل المختلفة من إخراج وديكور وتمثيل، ونرجو أن نشاهدهم فى مزيد من الأعمال الجديدة، فقد طال اشتياقنا للأعمال المسرحية الجديدة التى تمثل إلى جانب الأفلام السينمائية القوى الناعمة المصرية. وثمة ضلع آخر مهم من أضلاع القوى الناعمة المصرية المتمثل فى الدراما التليفزيونية. ولا شك أن هذه الدراما لها ما للمسرح والسينما من أهمية وربما تفوقهما أهمية لما تتمتع به من قدرة على الوصول إلى كل بيت، لا فى مصر وحدها، ولكن فى جميع أنحاء الوطن العربى.

وعلى العكس من السينما والمسرح فإن الدراما التليفزيونية لا تعانى من قلة الإنتاج، بل على العكس فإنها تعانى أحياناً من التخمة، ولكنها التخمة المرضية التى تذكر ببيت الشعر الحكيم للمتنبى الذى ناشد سيف الدولة بقوله: «إنى أعيذها نظرات منك صادقة/ أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم». فالكثرة الكمية فى الأعمال الفنية التى تبتعد عن القيم الكيفية تتحول إلى شحم مريض سرعان ما يتحول إلى بؤرة سرطانية تقضى على الأخضر واليابس. وبيت القصيد فى تراجع النهضة الدرامية فى مصر يعود إلى تسيد قيم السوق مجال الإنتاج الدرامى، وأصبحت الإعلانات بما تمثله من مصدر دخل رئيسى لكل من أصحاب القنوات الخاصة والمنتجين صاحبة القول الفصل فى مستوى الدراما التى تقدم على كل الشاشات وخاصة فى شهر رمضان. وقد أسهم فى تفاقم المشكلة، تراجع إنتاج الدولة للأعمال الدرامية، بتوقف الإنتاج فى كل من قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون، وكذلك فى مدينة الإنتاج الإعلامى، بينما اقتصر إنتاج شركة صوت القاهرة على عمل دينى واحد. هذا فى الوقت الذى يعانى فيه المبدعون الجادون من البطالة. وإذا كانت المسرحية حددت يوم أن قتلوا الغناء، أى يوم مقتل الحرية والمشاعر والقيم الإنسانية، باليوم الذى صدر فيه قرار الحاكم المستبد بقتل كل من يغنى، فإن توقف الدولة عن الإنتاج الدرامى يمثل يوم مقتل الدراما المصرية.