عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما الذى يمكن أن تفعله عندما تجد جميع من حولك يخذلك ويتخلى عنك ويتقافز على جثتك.. ما الذى يمكن أن تفعله والجميع: يأكل لحمك وينهش سيرتك ويسرق تاريخك ويجنى ثمرة عرقك ويسطو على أفكارك ويغتصب ابتسامتك، وأنت الذى حوصرت وحاربت وكافحت وانتصرت من أجلهم، وأنت- أيضا– صاحب الفضل عليهم فيما وصلوا إليه؟

بالطبع لن يكون أمامك إلا الانفجار والتمزق وربما الجنون، ولكنك لن تستطيع، وهذا لسبب بسيط، وهو أن الجميع متواطئ، والجميع مرتب أوراقه جيدًا، والجميع امتلك الجلد الغليظ الذى يغطى به جسده الخشن، ويحمى أعضاءه الهشة، وأصبح للجميع أذن من طين وأخرى من عجين، حتى ولو كان كل هؤلاء من نشأوا وتربوا فى بيتك وأكلوا طعامك على طبليتك وارتدوا ملابسك وتقاسموا نقود جيبك، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو حتى عابرى سبيل فى حياتك؟

لذا ستظل نهاية فيلم «سواق الأتوبيس» من أكثر النهايات ثراءً فى وجداننا السينمائى، وستظل جملة «يا ولاد الكلب» التى يطلقها «حسن– نور الشريف» فى الختام، أيقونة لكل ما لا يعجبنا من أحوال، وعندما تضيق بنا الظروف ونوشك على الانفجار، ولن يصاحب لساننا «إلا تلك الجملة،» «يا ولاد الكلب» بعد الدوامة المريرة التى ندور فيها مثل حسن لإنقاذ ورشة أبيه وسمعته وتاريخه وبيته.

إننا جميعًا ننفجر كل يوم، ولا أحد يشعر بنا وبمعاناتنا، نتمزق فى المواصلات ونشنق بأحبال شائكة فى الطوابير، نتلقى الأوامر والتوجيهات من وجوه قبيحة وخبيثة، نتفتت أمام تاجر خضراوات أو فاكهة للحصول على حبات تسد فم أطفالنا، نشتبك مع سائق ميكروباص أو توك توك ولا يشعر بنا أحد، وعندما ننفجر، يطل علينا الجميع على أننا «مجانين» أو كائنات بلهاء لم تضع على أجسادها الجلد الغليظ، أو لا تزال تعيش بتلك المثاليات البلهاء التى تربينا عليها أو كنا نشاهدها فى الأفلام الأبيض والأسود مثلاً.

ولأننا لن نستطيع فى دوامتنا القبض على أى لص، من تلك اللصوص التى تتقافز أمامنا ليل نهار، فإن «حسن» فى مشهد النهاية بالفيلم، يصمم أن يقبض على اللص، حتى ولو كان هذا اللص مجرد نشال فى الأتوبيس، فلأول مرة يستطيع أن يقبض على لص متلبس، وبالتالى جاء انفجاره فى القبض عليه وضربه بقوة، ولم يفعل هذا فى الخفاء كما يفعل من خذلوه وباعوه وسرقوه، بل فعله وسط الشارع وفى قلب ميدان التحرير وتحت أشعة الشمس الحارقة، وكأن هذا اللص هو جميع اللصوص من أقارب وأصدقاء وظروف وباعة وتجار وساسة، هؤلاء الذين خذلونا وأكلوا لحمنا وسرقوا تاريخنا وطمعوا فى لقمة عيشنا.