رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

فى مسرحية  «دائرة الطباشير القوقازية»  التى  تعد  واحدة من المسرحيات التى باتت جزءًا خالدًا  من تراث المسرح العالمى للمؤلف الألمانى  «برتولد بريخت» يلقى الراوى فى نهايتها  حكمة النص ورسالته: أنتم يا من سمعتم قصة دائرة الطباشير، احفظوا حكمة الأقدمين: إن الأشياء ينبغى أن تعطى للذين يقومون عليها خير قيام، فالأطفال للأمهات اللواتى يرعينهم حتى يشبوا ويترعرعوا، والعربات لمن  يقودها جيدا والحقول للذين يحسنون ريها وزرعها. وتحكى المسرحية قصة حاكم وزوجته الملكة اللذين تعزلهما ثورة شعبية عن سدة الحكم ،فتهرب الملكة مذعورة تاركة طفلها الرضيع  خلفها دون أن تفكر فى مصيره، فتجده الخادمة وتأخذه لتربيه وتحميه وترعاه لعدة سنوات تتغير فيها الظروف، فتعود بعدها الملكة وزوجها إلى تسلم الحكم من جديد، وتطالب باسترداد الطفل، لكن الخادمة ترفض  ذلك. وحين يتم رفع الأمر إلى القاضى لكى يحكم أيهما أحق بالطفل الملكة أم الخادمة، فيأمر القاضى برسم دائرة بالطباشير ويضع الطفل فى منتصفها، ويطلب من المرأتين أن تجذبه كل منهما إليها خارج الدائرة، فتنجح الملكة فى جذبه خارجها بقوة شديدة، بينما تعزف الخادمة عن فعل ذلك، خوفا من أن تؤذى الطفل وتؤلمه، فيحكم القاضى بأن يؤول الطفل إلى الخادمة التى بدت أكثر حنانًا ورقة وعطفًا على الطفل من أمه الحقيقية.  

 وكما أن الأم ليست هى من تلد فقط، بل هى من ترعى وتصون وتحنو، حتى لو لم تلد، فإن  سوزان طه حسين، كانت أكثر من  زوجة محبة، كانت أمًّا بكل معانى الكلمة للدكتور طه حسين. امرأة أوروبية مثقفة وغير مسلمة ترهن حياتها لأزهرى مسلم وكفيف  وفقير، ولا تأبه بمعارضة أسرتها، وتتألم ألم من يجد نفسه بين حبين متعارضين  فتتحمل، وتلزم نفسها بنمط من الحياة لا يخلو من مشقة، وتثقف نفسها بألوان  من المعارف فى الفن والموسيقى والأدب، كى تساعد طه حسين  على امتداد نحو 56 عاما من حياتهما المشتركة ،على التفاعل مع الحياة تماما كالمبصرين، وتيسر له أجواء ولَعِه الدائم بالقراءة والكتابة وسماع الموسيقى وما يعشقه من أصوات مقرئى القرآن الكريم. وبمساعدتها، يتعلم طه حسين  أن يميز بين المدن التى يزورها بسماع خرير المياه وزقزقة الطيور، وشم نسيم الزهور وثمرات الأشجار، فتصبح  هى عينه التى ترى، فتروى وتشرح وتفسر وتناقش. وفى لحظات اليأس  والحصار وشظف العيش وقلة الموارد، وملاحقة معاول الظلامين، تصبر وتشجع وتصمت دون شكوى أو تذمر، بل تظهر قدرة  فائقة  على تطويع  الظروف السيئة والتأقلم مع قسوتها  حتى تنقشع الغيوم، فيغدو هذا الاختيار الذى يؤمن بفاعلية انجاز طه حسين وجدواه أبعد من مشاعر الحب. إنها الأمومة فى أرقى صورها، وأكثرها نبلا وتجردا.

ومن بين الأفكار التى باتت منتهية الصلاحية، أن تقصر صفة الأمومة على المرأة  دون سواها. فالحياة تعج بالأمثلة على رجال لعبوا فى حياة أسرهم أدوار الأمهات بجدارة  وبمحبة غامرة، وقد عشت هذه التجربة حين ماتت أمى وأنا لم أتجاوز الثامنة من عمرى، فأصبح الوالد هو أمى وأبى فى آن واحد.

الأمومة، كالرجولة تنطبق على الإناث والذكور باعتبارها قيمة من قيم الحياة العليا.