رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

كانت عينا المفكر السورى الراحل صادق جلال العظم شاخصة إلى بلده سوريا بشكل رئيسى، وهو يقدم فى العام 2013 من منفاه الألمانى تعريفاً للربيع العربى، بعد سنتين من حدوثه، فيما كان يعتبره أهم إنجازات هذا الربيع فى الحياة السياسية والاجتماعية للدول التى اندلع بها. يرى «العظم» أن الربيع العربى هو ببساطة عودة السياسة إلى الناس، وعودة الناس إلى السياسة، بعد ابتعاد طويل بسبب احتكار النخب العسكرية الحاكمة وأنصارها من التحالف الطبقى الأمنى والتجارى على المجال السياسى، وسعيها الدؤوب على إبقاء كل شىء على حاله، وتحطيم قوى المجتمع الحية، وهز قدرتها على القيام بأى فعل إيجابى داخل هذا المجتمع وخارجه، من أجل تغييره نحو الأفضل.

ما زال هذا الوصف للانتفاضات العربية صحيحاً إلى حد كبير، لكنه بمفرده لا يشكل إجابة عن أسئلة بدء العام السادس لما أسمته إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، الذى غادر أمس البيت الأبيض إلى غير رجعة، ووزيرة خارجيته المرشحة الساقطة للرئاسة الأمريكية هيلارى كلينتون، بالربيع العربى. فى القلب من هذه الأسئلة، ما هى النتائج التى أسفرت عن استيلاء تيار الإسلام السياسى بقيادة جماعة الإخوان وأنصارهم من التيارات السلفية الجهادية والتكفيرية والإرهابية، على هذا الربيع وهيمنتهم عليه، بدعم غير محدود من إدارة أوباما؟

النتائج الكارثية لهذه الهيمنة أكثر من أن تحصى. فقد استطاعت جماعة الإخوان فى تونس أو مصر، استقطاب قطاعات واسعة من المتدينين الشعبيين الذين يقتصرون فى تدينهم على تأدية الشعائر وإتمام معاملاتهم الحياتية إلى جانبها، بزعم أنها لا أطماع لها ولأنها ببساطة تنطق باسم الله، فزادت الأجواء الاجتماعية المحافظة فى كلا البلدين. فضلاً عن الدعم الذى حازته من قبل مجموعات متنوعة من النخب السياسية قاصرة الوعى والباحثة عن دور والانتهازية ممن ترفع شعار «اللى تغلب به العب به» التى مهدت الطريق بغفلتها وطموحها السلطوى ولعبها على كل الحبال وقدرتها على تبرير الشىء ونقيضه، لهيمنة هؤلاء على السلطة باستخدام الأدوات الديمقراطية التى تسترت جماعة الإخوان خلفها للتحكم فى مصائر الانتفاضات، ثم سرعان ما عادت لجوهرها الحقيقى المعادى لكل أشكال الحريات الديمقراطية حينما وصلت إلى سدة الحكم!

ضاعف حكم جماعة الإخوان فى البلدين من حدة الصراع المذهبى فى المنطقة بين السنة والشيعة، وحدة الصراع الطائفى بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، وما يجرى من فقدان للاستقرار فى كل من العراق ولبنان غير بعيد عن ذلك. وأصبح الدين فى المنطقة بعد ست سنوات من ربيعها، صراعاً بين إسلام «ولاية الفقيه» وإسلام «القرآن دستورنا» و«الإسلام هو الحل»، وبين من يرون أن حاكمية شرع الله عز وجل لا تتحقق سوى بالتكفير والتفجير والقتل والحرق والنحر وهدم التماثيل التراثية وسبى النساء وحظر الفنون وحرق الكتب ومعاداة كل ما يتصل بالعقل وبالحرية الفكرية وبحقوق الإنسان، ومخاصمة كل ما يتسم بحس إنسانى سليم. وفى وسط هذه الصراعات الدامية لم يعد هناك مكان لسلطة الدولة ولا سلاحها الشرعى المتمثل فى قواها الأمنية وجيشها النظامى، بعد أن صار السلاح مشاعاً فى كل مكان، وبعد أن تناسلت جماعة الإخوان إلى القاعدة وطالبان وجبهة النصرة وأحرار الشام وحسم وجيش الإسلام ولواء الفتح وجيش المجاهدين وأنصار بيت المقدس وداعش وأخواتها وغيرها. وما الحرب الأهلية الدائرة فى كل من سوريا واليمن وليبيا سوى تجلٍ لتلك الصراعات ومحاولة مستميتة لإسقاط الدول لإحياء أسطورة دولة الخلافة الإسلامية على أنقاض وحدة أرضيها.

فى تونس مع توغل حزب النهضة فى مفاصل الدولة، حضرت الاغتيالات السياسية محل الحوار وفتحت المعسكرات لتدريب المجاهدين وإرسالهم إلى سوريا وليبيا، وتصاعدت دعوات التكفير ومحاولات تغيير الهوية الحداثية للتونسيين بالعنف والقمع والمصادرة، فضلاً عن التعثر الاقتصادى وهشاشة الائتلافات الحاكمة بفعل سعى النهضة للعودة للهيمنة إن بالتحايل أو بالعنف!

وحده الشعب المصرى أدرك بالوعى الذى اكتسبه من انتفاضة يناير وما تلاها، وبانتزاع حقه فى عودة السياسة إليه -كما قال العظم- أنه لا يقبل بحكم دينى يفرض عليه المفاضلة بين الدولة واللادولة، فكانت ثورته فى 30 يونيو هى البرهان الوحيد على أنه «ربيع عربى».