رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلام

أربعون عاماً تمر اليوم على مظاهرات يومى 18 و19 يناير عام 1977.. فى هذين اليومين انتفض الشعب وخرج إلى الشوارع يندد بالغلاء، ويلعن الرئيس، ويهتف: «يا ساكنين القصور إحنا سكان القبور».. «يا حكامنا فى عابدين فين الحق وفين الدين».. وكان أشهر تلك الهتافات: «سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه»، وكان سيد مرعى وقتها رئيساً لمجلس الشعب، الذى وقف أمامه قبل هذه المظاهرات بليلة واحدة نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الدكتور عبدالمنعم القيسونى، يُعلن أمام النواب عدداً من القرارات الاقتصادية لمواجهة العجز فى ميزان المدفوعات، وكانت القرارات فى مُجملها ترفع الدعم عن السكر والزيت والدقيق والأرز والشاى والسجائر والبنزين.. هاج الشعب وهتف ولعن، ودمر العديد من أقسام الشرطة والمنشآت العامة والمتاجر والمحلات.. وعجزت الشرطة عن المواجهة، ونزل الجيش وسيطر على الأوضاع بعد فرض حالة الطوارئ ومنع التجوال، وتراجعت الحكومة عن قراراتها، وهدأ الثائرون، وهاج الرئيس السادات ووصف ما حدث بأنه «انتفاضة حرامية»، وشن هجومًا حادًا على اليساريين واتهمهم وجهات أجنبية أخرى بالتآمر على الدولة.

وواقع مصر وقت انتفاضة 1977 يشابه إلى حد بعيد واقعها اليوم.. فقد كانت مصر تمر بمرحلة انتقالية ما بين الاقتصاد الموجه والاقتصاد الحر، بعد الحرب مع إسرائيل، وكان هناك عجز فى الموازنة وصل إلى 500 مليون جنيه، وصندوق النقد الدولى يضغط على الحكومة لتحريك أسعار السلع، والبنك الدولى معه يطالب بإلغاء الدعم، تماماً كما يحدث اليوم.. وكانت مصر كما أكد «السادات» تتعرض لمؤامرات من الداخل ومن الخارج، وهى تتعرض لمؤامرة مثيلة كما يؤكد «السيسى».. وخروج الشعب مُحتجاً على الغلاء وزيادة الأسعار قبل أربعة عقود، لم يتكرر رغم تشابه الظروف، ورغم أنَّ الشعب هو الشعب، والظروف ذات الظروف.. بالأمس رفض واليوم يقبل صاغراً ساكناً وربما راضياً.. وقد يرجع ذلك إلى تخوف هذا الشعب من عودة الإخوان إلى الحكم بعد أن عانى  منهم فى عام واحد أكثر مما عاناه فى تاريخه وربما لأن هذا الشعب قد هانت عليه معاناته ومصائبه عندما رأى معاناة ومصائب شعوب أخرى تشردت وتركت ديارها خراباً بعد تدمير، وهاجرت إلى بلاد الغرب تتسول الدفء وتقتات الحزن وتتجرع الألم.. وقد يكون هذا الشعب المصرى قد قبل التحمُّل على أمل أنْ يجد فى الغد ما يعوضه عن صبر ومعاناة اليوم.. وعلى أى حال فموقف المصريين من الغلاء عام 1977 وانتفاضتهم ضده، وتقبلهم له اليوم يحتاج إلى دراسة متأنية وعميقة لمعرفة ماذا حدث لهذا الشعب؟.. وهل تقبلهم لما رفضوه بالأمس وثاروا عليه أمر عادى، يعكس تطوراً طبيعياً لسيكولوجيات هذا الشعب الذى يوصف غالباً بأنه متمرد؟، أم أنه قد أصبح خانعاً خاضعاً مُتسكيناً؟.. الأمر بجد يحتاج إلى دراسة، وربما تقود تلك الدراسة إلى معرفة: هل المصريون لديهم القدرة على تحمل المزيد أم أنَّهم سيثورون ويهتفون ويلعنون ويُدَمرون حتى وإنْ وصفوا انتفاضتهم بأنها انتفاضة حرامية؟!

 

[email protected] com