رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نواصل المسيرة الفكرية والتاريخية تحت العنوان أعلاه، دقات قلب مصر تذرف على «زهران» وصحبه الدموع، صورة لا تغرب عن مخيلة التجسيد الحقيقى للمآسى التى مرت بها مصر، يوم تنفيذ حكم الإعدام فى «فلاحى قرية دنشواى» والتى وصفها لسان الحال: لقد دق قلب مصر مرتين: الأولى يوم نفذ حكم الإعدام فى دنشواى، والثانية يوم مات الزعيم المصرى الشاب الذى أسمع الدنيا كلها غضبة الشعب المصرى يوم دنشواى، مصطفى كامل باشا.

هى قصة يوم «الحزن الأكبر» يوم ذهب بريطانى صوب قرية دنشواى يبغى «صيد الحمام فصادوا من بعده العباد»، فجاءت رصاصة بأحد أجران القرية فأشعلت فيه النيران ولاذ البريطانى فراراً ومات متأثراً «بضربة شمس قاسية» وكان ذلك السبب الرئيسى فى وفاته.

قامت الدنيا ولم تقعد.. وبريطانيا سيدة العالمين فى ذلك الحين 1906، وكأن عرشها قد اهتز وزلزلت البلاد، فما كان منهم بجيشهم المعسكر فى البلاد وحاكمهم «كرومر» جباراً شقياً فى البلاد، شكلوا المحكمة حسب هواهم، وأثناء المحاكمة بدأوا فى «نصب المشانق».

وللأسف كان قرار التشكيل برئاسة بطرس غالى «وكان مكلفاً وقتئذ بوزارة الحقانية» «العدل»، وشكلت من بريطانيين ومعهما فتحى زغلول رئيس محكمة القاهرة الابتدائية، وتولى الادعاء إبراهيم الهلباوى.

ومثل الريح، حوكم 59 متهماً، صدر الحكم بإعدام ثلاثة منهم وعقوبات متفاوتة على الآخرين، وهؤلاء الثلاثة الذين صدر عليهم الحكم بالإعدام، ونفذ على مرأى ومسمع من أهل القرية جميعاً بين البكاء والنحيب وسوء المصير، هم: 1- حسن على محفوظ، 2- يوسف حسن سليم، 3- محمود درويش زهران «وشهرته الفتى زهران».

وجاء فى كتابنا وصف لذلك المشهد:

«وقصة دنشواى معروفة تماماً لكل أبناء مصر، إنها محفورة فى قلوبهم بالألم والحسرة، ثم هى رمز بطولة بالنسبة إلى من نفذ فيهم الإعدام، وعلى رأسهم الفتى زهران الذى أصبح فى ضمير كل أبناء مصر رمزاً مقدساً للثأر ممن داسوا بأقدامهم قوانين الأرض والسماء.. وكانت سخرية المحاكمة ومهزلة تنفيذ حكم الإعدام».

وقال قائل وصفاً لهذا الحدث الجليل فى تنفيذ حكم الإعدام:

«لما حدثت محاكمة دنشواى ثارت النفوس ونقم الناس على الإنجليز وزادت ثورتهم ونقمتهم للأسلوب الذى اتبع فى تنفيذ العقوبات التى حكم بها، فقد حرصت السلطات على أن يكون تنفيذ عقوبات القتل والجلد فى مظاهرة علنية قصد بها إرهاب المصريين وإذلالهم، والتمكين من هيبة بريطانيا فى النفوس، وفى هذا السبيل أهدروا كثيراً من القيم الإنسانية، وجرحوا شعور العدالة، فقد نفذت الأحكام فى قرية المحكوم عليهم وعلى بعد أمتار من بلادهم، وعلى مرأى من أهلهم وذويهم، وكانوا يجلدون المحكوم بجلدهم ووجوههم شاخصة إلى جثث المشنوقين المعلقة، فكان لهذه القسوة والوحشية نتائجها، فأثارت النفوس، وانطلقت الألسنة باللوم، وحركت الأقلام بالنقد فى كل مكان».

وهكذا فإن أحكام الإعدام التى صدرت ظلماً أشغلت نار الثأر فى قلوب المصريين، وتأججت فى نفوسهم أكثر وأكثر معانى الوطنية والكفاح القوى ضد المستعمرين هذا من ناحية، وتشاد الأقدار أن يقتل رئيس الوزراء بطرس غالى على يد ثائر مصرى هو إبراهيم الوردانى، الذى حزنت عليه البلاد حزناً شديداً، و«يوم ممات الوردانى بكت عيون البلاد من الإسكندرية إلى أسوان: وقالوا قولوا لعين الشمس ما تحماشى أحسن حبيب القلب صابح ماشى».

وهكذا خلق الإعدام وبشاعة تنفيذه جراحاً فى القلوب، ولكن من الدم الأحمر نبتت زهور وورود استقى منها «شهداء البلاد».

تماماً كما أحدث الألم الدفين يوم تنفيذ الإعدام فى «زهران» وأصحابه، أن أصبحت سيرة زهران هى حكاية سمر السمار تماماً مثل حكايات كل الأبطال.