رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضربة قلم

عندما زرت البقيع أثناء أدائى مناسك العمرة فى شهر أبريل الماضي، وجدت واحدًا من المتطوعين وقد التف حوله بضعة أشخاص فوقفت مستمعًا وقد سمعت عجبًا. فقد قال إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «كل من يستطيع أن يموت فى المدينة فليفعل».. الخ. فسألته وهل فى الموت استطاعة حتى أفعل أو لا أفعل ؟ وتحديته أن هذا الحديث غير صحيح فاتهمنى بالسفسطة وإذا بمن كانوا يستمعون إليه بشغف جهول يهاجموننى بشدة واكتشفت ـ للأسف ـ أنهم من المصريين فى أغلبهم، وجذبنى شخص إلى خارج الحلقة ـ مدرس جزائرى ـ وأفهمنى أن كلامى صحيح لكنه غير مجدٍ مع وهابى ضال يستغل حب العامة لرسول الله.

اسلم رجل نصراني من خراسان فى عهد الخليفة المأمون ثم ارتد فأمر الخليفة بإحضاره إلى بغداد وسأله: ما الذى أوحشك من الإسلام؟ فقال المرتد: أوحشنى ما رأيت من كثرة الاختلافات فى دينكم. قال المأمون: إن لنا اختلافين أحدهما كالاختلاف فى الأذان والتشهد وصلاة الأعياد وتكبير التشريق واختلاف وجوه الفتيا. وليس هذا باختلاف إنما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من المحنة. والاختلاف الآخر كنحو الاختلاف فى تأويل الآية من كتابنا والحديث عن نبينا مع إجماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عين الخبر. فإن كان الذى أوحشك هذا حتى أنكرت كتابنا فقد ينبغى أن يكون اللفظ بجميع ما فى التوراة والإنجيل متفقًا على تأويله كالاتفاق على تنزيله ولا يكون بين الملتين من اليهود والنصارى اختلاف فى شىء من التأويلات، ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا تحتاج إلى تفسير لفعل ولكننا لم نر شيئًا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة وذهبت المسابقة والمنافسة، فرجع الرجل إلى الإسلام وخرّ المأمون ساجدًا. اختلف المسيحيون حول طبيعة المسيح وانقسموا إلى أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت ووقعت بينهم عداوات ونشبت بينهم حروب. وسبقهم اليهود حين انقسموا إلى نحو أربع وعشرين فرقة بعضهم يتمسك بحرفية نصوص التوراة ويؤمنون بالبعث والجزاء بعد الموت والملاءمة بين القدر وحرية الإرادة. والبعض الآخر يرفض ذلك، حتى الحرب اختلفوا بشأنها بين مؤيد ومعارض. لكنهم تخطوا هذه الخلافات وتجاوزوها بالفصل بين الدين والدولة وأصبحوا على ما هم عليه من تقدم علمى واقتصادى وبقى المسلمون غارقين فى طين الطريق ونجاسة المراحيض وعورات المرأة. نعم.. شهد الحديث النبوى فوضى عظيمة زاد من وطأتها وحدَّتِها الخصومات السياسية والمذهبية وانتقام بعض أهل الأمم المفتوحة وخاصة الفرس من المسلمين والإساءة للإسلام بوضع الأحاديث،ودليل ذلك ما قاله عبدالكريم بن أبى العوجاء(المانوى): لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها وأحلل. ولم يعد غريبًا أن نرى فى الأحاديث المنسوبة للرسول الكريم حكمًا فقهيًّا مصنوعًا أو حكمة فارسية أو موعظة إسرائيلية. كما كان الحديث النبوى ضحية النفاق والتملق للحكام، ومن ذلك ما قاله غياث بن إبراهيم حين دخل على الخليفة المهدى وكان يحب اللعب بالحمام فروى حديثا: لا سبق إلا فى خفّ أو حافر أو جناح، فأمر له بعشرة آلاف درهم فلما قام ليخرج قال له المهدى: اشهد إن قفاك قفا كذاب على رسول الله وأردت أن تتقرب إلينا.

لقد اختلف الصحابة فى الحديث عن رسول الله وكثرت رواياتهم وكان أكثرهم أبوهريرة ـ 5274 حديثًا ـ والسيدة عائشة رضى الله عنها ـ 2210 حديثًا ـ وعبدالله بن عمر وأنس بن مالك ـ 5000 حديث ـ وجابر بن عبدالله وعبدالله بن عباس أكثر من 1500 حديث- وسيدنا عمر بن الخطاب 537 حديثًا لم يصح منها إلا نحو خمسين حديثًا. وقال الإمام بن حنبل إن حوالى ثلاثة آلاف حديث فى كتاب البخاري مكررة.  حتى الإمام أبوحنيفة لم يصح عنده إلا أحاديث قليلة قال ابن خلدون إنها سبعة عشر حديثًا. هذا بخلاف الأحاديث المكذوبة التى تتضارب وتتباين وتجافي العقل وتسئ للسنة النبوية. وكأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يستطلع الغيب حين قال: لا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جّوّدوا القرآن واقلّوا الرواية عن رسول الله.. إن فى الإسلام أمورًا قطعية وأخرى اجتهادية. واجتهاد علماء المسلمين يختلف من عصر إلى عصر ومن بيئة لأخرى. والإسلام يحث على العلم وإعمال الفكر، واجتهاد السابقين لا يلزم اللاحقين لأن الاجتهاد البعيد عن الهوى والغرض يضمن للإسلام دوام القابلية للتطور فى كل زمان ومكان تبعًا لتطور المجتمعات وحاجات الناس. ومن العيب أن ينشغل المسلمون فى القرن الواحد والعشرين بتوافه الأمور وشكليات تفرق ولا توحد.. تؤخر ولا تحض على التقدم. من الخطر على المسلمين التنقيب فى أمور محسومة والاستناد أو الاستشهاد بأحاديث موضوعة وثبت ضعفها متنًا ومسندًا. وما وجودها فى كتب التراث إلا بهدف الدراسات المقارنة.. تجديد الخطاب الدينى ليس بهدم الثوابت والتشكيك فى العقائد والاساءة للنبى وسنته وعلماء المسلمين. ومسئولية الأزهر أن يؤهل الدعاة تأهيلاً دينيًا وإعلاميًا وفلسفيًا ليجعلهم قادرين على مخاطبة المسلمين وغير المسلمين بأدوات العصر والتأثير فيهم بعيدًا عن الدعاة الكاجوال والمتطرفين. يا شيوخ الأزهر حبستم البحيرى ولم تحبسوا أفكاره ورؤاه. إلى متى تستمر هذه البلبلة؟ ارحمونا يرحمكم الله.