رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

فى غضون نحو 48 ساعة، ناقش مجلس النواب مشروع قانون جديداً للجمعيات الأهلية، تقدم نحو أكثر من ثلث أعضائه، وأحاله إلى مجلس الدولة، ليعيده إليه الأخير بسرعة صاروخية مماثلة، ليصدر القانون بموافقة أغلبية الأعضاء، متجاهلاً اعتراض الحكومة عليه، فضلاً عن تجاهله مشروع القانون، الذى أعدته وزارة التضامن، وأجرت توافقاً حوله مع عدد كبير من منظمات المجتمع المدنى.

لم يكن صدور القانون بهذه السرعة اللافتة للنظر أولى عجائب البرلمان، وأظن أنه لن يكون آخرها. وإلا بالله عليكم، كيف تأتى لنحو 203 من النواب قراءة نص مشروع القانون الجديد قبل أن يوقعوا عليه بالموافقة؟ وهل أحاطوا بالقانون السابق رقم 84 لسنة 2002، الذى يصدر هذا القانون بديلاً له؟ ومن منهم لديه معرفة وخبرة بطبيعة العمل الأهلى ومنظمات المجتمع المدنى؟

وبالرغم من أن لائحة المجلس لا تتطلب أكثر من 60 نائباً فقط للتقدم بمشروع قانون، فإن ارتفاع عدد التوقيعات بهذا الشكل يهدف إلى الإيحاء بأن وراء القانون اتجاهاً قوياً، لكنه للأسف يفتقد للباقة البرلمانية، أو ليس من الحصافة الواجبة أن يتحاور البرلمان مع الحكومة، وأن يتوافق معها حول التعديلات الملائمة للقانون قبل إصداره؟ ألم يكن من الأوفق لأوضاع مصر الراهنة التى تحاط بالتربص، أن يفتح «بضم الياء» حوار مجتمعى حول القانون مع عدد من منظمات المجتمع الأهلى، التى ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركة المجتمع المدنى الدولية، بعد أن باتت الأخيرة مؤثرة –بالحق وبالباطل– فى اتجاهات الرأى العام العالمى؟ ألم يكن من المفروض أن تكون وزارة الخارجية طرفاً أصيلاً فى إصدار هذا النوع من القوانين التى تؤثر على مكانة مصر الدولية؟

التفسير الوحيد لإصدار قانون يمنح الحق، ويقيد تنفيذه فى آن واحد، بتغليظ العقوبة على مخالفة نصوصه، بالحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، وبتشديد القيود على الإشهار والتمويل، هو أن الحكومة مدركة تماماً أن الرؤى الأمنية المهيمنة على نصوص القانون سوف تثير ضجة واسعة، سيجرى استغلالها من قبل منظمات المجتمع المدنى فى أنحاء العالم، فأرادت أن تتخلص من عبئه، وتلقيه على عاتق مجلس النواب، ظناً منها أنها تستطيع أن تعلل أمام تلك المنظمات صدور القانون من ممثلى الشعب المنتخبين، بأنها شأن أى حكومة ديمقراطية لا تستطيع أن تفعل غير ذلك، وكما يبدو فهو تبرير ساذج لن ينطلى على أحد، ببساطة لأنها تحوز-كما تقول- على الكتلة الأكبر من نواب البرلمان، ولأن معارضتها للقانون كانت شكلية، كما أن وزيرة التضامن اكتفت بعدم حضور جلسة الموافقة على القانون، الذى نزل على نوابها إلهام مفاجئ لتمريره خلال 48 ساعة فقط، ليقودونا إلى مزالق التعامل بخفة وعدم مسئولية مع تعهدات مصر الدولية بضمان حرية المجتمع المدنى، وعدم تعارض القوانين المحلية مع تلك التعهدات!

فى مصر نحو 48 ألف جمعية، غالبيتها العظمى تعمل فى مجالات الخدمة المجتمعية، فتسد نقصاً غابت عنه الدولة. والمؤكد أن منظمات حقوق الإنسان التى تحتك فى مجال عملها بالسياسة، هى المستهدفة من هذا القانون، لشبهات حول أنشطة لها تضر بالأمن القومى، فضلاً عن شكوك حول الطريقة التى تنفق بها ما تحصل عليه من تمويل أجنبى، وهو ما يجب على العاملين بها البرهنة بكل شفافية على بعدهم عن تلك الشبهات.

وبدلاً من السير قدماً فى الطريق الذى لن يوصلنا سوى إلى إعادة إنتاج المشاكل، فليتم الإنصات للاعتراضات التى لا تخلو من وجاهة على القانون، وفى القلب منها إلغاء عقوبة الحبس، والاكتفاء بالغرامة بعد تخفيضها، وهو أمل يظل معقوداً على رئيس الجمهورية، بأن يضع تلك الاعتراضات نصب عينيه قبل أن يصدق عليه، بما يطمئن جميع الأطراف، ويصون حقوق الدولة.