رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عقوبة الإعدام

أخيراً.. خواطر حول عقوبة الإعدام.. عليك أن تختار الرأى الذى تراه، فإنه فى ذمتنا وعقيدتنا: لا إكراه فى العلم، لكم رأيكم ولنا رأينا، ويحكم التاريخ -القاضى الأعظم- ما بين حجتنا وحجتكم، ولعل ما يمكن أن نقوله الآن:

إن إبداء الرأى فى مسألة عقوبة الإعدام وجب أولاً أن يعايش الباحث عالم المحكوم عليهم بالإعدام ورحلتهم الأخيرة -على جسر الحياة- بدءًا من ارتكابهم جريمتهم، ويوم محاكمتهم، ويوم صدور الحكم والاستماع إلى صوت القاضى يلقى فى سمعه «حكم الإعدام»، يومها تهتز الأرض، ويضيع وجوده، وتسود الدنيا أمام ناظريه، ومن حوله الأهل والصاحب والولد «فى بكاء وعويل».. ثم تلك حياة أخرى أكثر ألماً فى «حجرة الإعدام» التى يقضى فيها ردحاً من الزمن، يقصر أو يطول -حسب مسيرة الإجراءات- ولكن بكل القطع واليقين فإن أيام المحكوم عليه بالإعدام ليست كباقى أيام «خلق الله فى رحلة الحياة»..

وكم تمت لنا زيارات لمحكوم عليه بالإعدام، وتمت مناقشته فى ثوبه الأحمر، ويمتد الحديث عن الحاضر، وما كان، وكل يوم بل وكل لحظة يترصد به الموت الدوائر.

قال لى قائل منهم إن صورة الحاجة رتيبة، وكان قد اتهم بقتلها تظهر له فى كل الأحلام، فى فزع ورعب وآثار صياحها والدم يتدفق منها -طالبة الرحمة- لا تفارق يقظته أو منامه..

فى هذه الغرفة فى «ردهة الإعدام» تنقطع بالمحكوم عليه كل أسباب الحياة، وتضيع كل العلاقات من ود وصداقات وأمانٍ وأحلام، لأن «ظلال المشنقة» هى المسيطرة على كل خلجات «فكره وجسده».

بعد القضاء بالإعدام على حسنى صورو قاتل أمه، طلب الإدلاء بأقوال جديدة -كان يمكن لو طرحت فى حينه أمام المحكمة لتغير بها وجه الرأى فى الدعوى- وذهبنا للاستماع إليه بغرفة مأمور سجن الاستئناف بباب الخلق- وهو السجن الذى ينفذ فيه حكم الإعدام- وكانت زوجة المذكور سبباً فى الخصومة بينه وبين أمه، ثم حينما وجدت جثة أمه مقتولة فى شقتها بشارع رمسيس واكتشف أمرها، كان الشاهد الأول ومحرك الأحداث هو ابنها، إلا أن زوجته اعترفت عليه فيما بعد، وفى الأقوال الجديدة كان لابد من الاستماع إلى بعض الحقائق منها، فامتنعت ثم امتنعت «وهى التى كانت تحبه حباً جماً» ورفضت المثول أمامنا للتحقيق واستظهار بعض الحقائق التى يمكن أن يكون لها أثر فى مسيرة «الطعن بالنقض» ونفى «سبق الإصرار» -الذى استبعدته نيابة النقض فيما بعد- إلا أن محكمة النقض رفضت ذلك وأيدت حكم الإعدام، المهم والمراد إيضاحه أن زوجة المحكوم عليه حينما جاءت أخيراً للتحقيق «وكان المنظر أليماً» إذ المحكوم عليه الذى كان بالأمس شاباً -رئيساً لفرع من فروع البنوك الكبرى- أنيق الملبس والفكر معاً، تشاهده حافى القدمين فى ثوب الإعدام الأحمر والممزق، ويومها «كان لقاء يحتاج إلى تحليل».. حينما أذن لها بدخول حجرة التحقيق.. كل همها تسأل: ماذا تريدون؟ هو قاتل ويأخذ جزاءه.. كانت صدمة للمسكين وكان موقفاً منا حازماً أن تحترم «إنسانية هذا الإنسان» وتحدثه كثيراً أو قليلاً عن «الأولاد» أى «تربطه بذلك الخيط الواهى بينه وبين الحياة»، والمهم دون تفصيلات كان كل تركيز المتهم نحو «أصبع يد زوجته: أمال فين الدبلة»؟ ويكررها، ويريد أن يلتمس كلمة، همسة، إجابة تعيد إليه روحه التى ضاعت، وأحلامه التى تاهت فى زحمة الأفكار السوداء، واتضح لنا أنه «لا نجاة للمحكوم عليه حتى مع الأوهام والأحلام» وبذلك -قبل يوم التنفيذ- يضيع وجود المحكوم عليه بالإعدام.. «وتنتهى صلته بأسباب الحياة قبل الأوان».