صدق من قال «الصديق قبل الطريق»، وقد استبشرت خيراً عندما هلَّ علىَّ فهللت له كما يُهلل، إذ لم يبق لى من أُهلل لها فادخرت وجدانى المُهلِل بطبعه للأحباب مثل صديق الطريق من المنصورة الحبيبة للإسكندرية الحبيبة، وقد اتضح لى بعد أن تجاوزت الثمانين أننى ما زلت شباب العشرين أو الثلاثين الذى كان يتفسح بالفلوكة فوق سطح النيل الحبيب بين طلخا والمنصورة، ثم يأخذ المسافة جرياً إلى محطة القطار الراجع للإسكندرية.. وكنتُ دائماً أغنى لعبدالمطلب أغنيته الحبيبة (ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين، وعشان أنول كل الرضا يوماتى أروح له مرتين، من السيدة لسيدنا الحسين) وهكذا الحال بعد الثمانين مع اختلاف قليل أو كبير فى الصُحبة من المنصورة للإسكندرية.. والجالس إلى جوارى يحكى لى أنه قد تعوَّد أن يشترى لأحفاده شوكولاتة وحلويات من المنصورة ويشترى لنفسه باكو بسكويت بالشوكولاتة يأكله فى الأتوبيس، ووضع كيس حلويات الأحفاد إلى جواره، ولما جاع بحث عما يخصه فلم يجده وظن أنه ضاع وسلّم أمره لله حتى عاد للبيت واستقبلته حفيدته وفتحت كيس حلويات الأحفاد وكان خالياً مما يخص الجد الذى صرف نظراً عنه، وصلّى المغرب والعشاء وجلس لتناول الطعام الذى أعدته ابنته الحبيبة ولم تضع أى فاكهة أو حاجة حلوة على السفرة، واقتنع الصديق بما أكل وشرب وذهب إلى مكتبه ليجد الحلو الذى يخصه موضوعاً على المكتب.
يا سبحان الله.. ما الذى حدث؟! حدث أن الابنة وجدت حاجة أبيها فى جيب البدلة وهى تعلقها فأخذتها ووضعتها على مكتبه.
ويتابع صاحبنا اندهاشه قائلاً: شوف الصدف يا أخى؟!
قلت له: ليس صدفة يا صديقى وإنما هو النصيب الذى قدَّره الله لكَ وأنت فى المنصورة وتاه عن عينيك لينتظرك على مكتبك فى المنزل.. فلا تقل صدفة.. وإنما قل نصيباً مفروضاً غير منقوص بأمر الله سبحانه وتعالى.. والحمد لله والشكر لله.
كلية الحقوق - جامعة المنصورة