رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

حين قرأت الأنباء التى تحدثت عن مطالبات بتوفير بوليصة تأمين وتخصيص معاش لأعضاء مجلس النواب، تمهيداً لاستصدار تشريع بذلك، أدهشنى تجاوب رئيس المجلس السريع مع هذا المطلب، والمبررات التى ساقها لذلك. فالدكتور على عبدالعال فحص قوانين نحو 170 من مجالس النواب الأعضاء فى البرلمان الدولى، فتبين له أن البرلمان المصرى هو الوحيد الذى ليس لأعضائه تأمين أو معاش تقاعد، مما يتطلب إعمال قاعدة المثل لأن حياة النواب معرضة للخطر، بعد موت نائبة فى حادث سيارة، ولأن عدداً من النواب الشباب فى المجلس لا يعملون!

القيت الصحيفة التى تحمل الخبر على المقعد المجاور لى، مما أصاب سائق التاكسى بالجزع. رواغت فى الاجابة عن سؤاله: هو فيه حاجة يا أستاذة مزعلاكى؟ غيرت الموضوع، وحدثته عن أخى المريض الذى يقلنى لزيارته، لكنى لم أكف بينى وبين نفسى عن التساؤل، أليس فى هذا البلد شخص رشيد يلفت نظر هؤلاء النواب، أن مصر تتصدر أكبر معدلات الوفاة بسبب حوادث الطرق، دون أن يطلب أحد النواب بوثائق تأمين أو معاش لضحاياها؟ ألا يأخذ النواب دون اسثناء، مكافآت وبدلات سفر وحضور لجان، وامتيازات علاجية وطبية تشكل فى ذاتها عبئاً على ميزانية بلد خائر القوى؟ أليست البلاد فى أزمة اقتصادية طاحنة تحتاج لمواجهتها، إلى تشريعات، تنظر للمصالح العامة لجموع المصريين، وتشيع قسطاً من العدل الاجتماعى، بدلاً من التفرغ للدفاع عن مصالح خاصة بستمائة نائب؟ أليس الاستشهاد بمائة وسبعين دولة لتطبيق قاعدة المثل، هو لون من القياس الفاسد والخطأ فى الاستدلال، وعدم اكتراث بالأوضاع الاستثنائية التى تعيشها البلد؟

ما أن غادرت سيارة التاكسى، ووطأت قدماى مستشفى المنيل الجامعى التخصصى، حتى توارى عن خاطرى الهم والغم والنكد الذى يسببه لى عادة «نقص القادرين على التمام». نسيت البرلمان وصغائره.

وفى الممر الطويل المفضى إلى وحدة الكبد التى يرأسها الدكتور «أشرف عمر» حيث يعالج شقيقى الكاتب المسرحى «فكرى النقاش» انشرح صدرى بنسمات هواء منعشة تستقبل الزائر من نوافذ ودهانات منمقة، وهدوء يسود المكان، ونظافة تحيط بكل شبر فيه، ولوحات إرشادية واضحة تغنى زواره عن أى سؤال، ووجوه مبتسمة تتسم بالتجلد وقوة التحمل، ولا تتجهم من كثرة الاستفسار والتساؤل، ولا تماطل فى مد يد العون لمن يطلبه.

لم أصدق وأنا داخل الوحدة، أنها جزء من مستشفى حكومى يتبع قصر العينى: انضباط صارم فى مواعيد أخذ العلاج، دقة صارمة فى تنفيذ التفاصيل المرادفة له، واستعداد دائم للمساعدة فى أى وقت. وليس لمثل هذا النظام أن ينجح دون أن يكون فى قيادته طاقم من شباب الأطباء والطبيبات، فى القلب منهم الطبيب الإنسان الدكتور عبدالرحمن الشاعر، من ذوى الضمائر ممن ينفذون على أرض الواقع تمثلهم لأخلاقيات مهنة الطب، وآدابها، وأصولها، وقيمها الرفيعة الراقية، التى لا تتجلى فقط فى كفاءتهم المهنية، بل كذلك فى قدرتهم على نسج علاقات مفعمة بالمحبة، ومتسمة بالعفوية، ومليئة بفيض من العواطف الحارة التى تربطهم بالمرضى، وتبعث الثقة فى قلوبهم.

هاتان مؤسستان رسميتان متجاورتان فى منطقة واحدة: برلمان مشغول بإجراءات لا تحركها سوى شراهة المصالح، ومستشفى حكومى، مات الزعيم «جمال عبدالناصر» دون أن يجد إجابة عن تساؤله: لماذا نجحنا فى بناء السد العالى وفشلنا فى إدارة قصر العينى، فأجابه عنه أحفاد له، تخفق قلوبهم بمحبة الوطن، وتمتلئ عزيمتهم بإصرار لا حيدة عنه، بالعمل على انتشاله من أمراضه ووهنه وهزائمه انطلاقاً به نحو المستقبل.