رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

أحوالنا

فى الأسبوع الماضى وعلى وجه التحديد فى يوم الجمعة ودعت قرية الشعراء بمحافظة دمياط ابنها البار وشاعرها الكبير الإذاعى الفذ والمثقف (بفتح القاف وبكسرها) فاروق شوشة الذى وافته المنية عن ثمانين عاماً كانت سنوات عطاء متواصل فى خدمة الإعلام الذى كان وسيلته لنشر الثقافة الرفيعة بين الجمهور العريض من مستمعى الإذاعة ومشاهدى التليفزيون. وقد جاءت وفاة الشاعر الكبير فى الوقت الذى لم يكن آل شوشة قد أفاقوا بعد من صدمة وفاة شقيقه الأصغر الدكتور فخرى شوشة العميد الأسبق للمعهد العالى للتعاون الزراعى قبل بضعة شهور. وقد ربطتنى صداقة عمر بالدكتور فخرى امتدت لأكثر من خمسين عاما حيث جمعت بيننا زمالة الاتحادات الطلابية وقد ربطتنى بشقيقه الأكبر زمالة عمل فى قسم المذيعين بالبرنامج العام تحولت إلى صداقة أعتز بها ما حييت. 

وفى سرادق العزاء الذى أقيم فى مسجد عمر مكرم بالقاهرة يوم الأحد الماضى كان الحشد الهائل الذى تجمع فى السرادق شاهد صدق على الحب الكبير الذى كان فاروق شوشة يحظى به بين فئات مختلفة من المصريين. فقد ضم هذا الجمع خليطاً من الرجال والنساء، الشيوخ والشباب، الشعراء والمثقفين، الإعلاميين والفنانين، رجال الفكر والعلماء، رجال السياسة والأدباء، وقد حضروا جميعاً للتعبير عن حزنهم لفقد فاروق شوشة الإنسان وللتعبير عن مواساتهم لأسرته الصغيرة التى تضم زوجته الزميلة الإذاعية هالة الحديدى وابنتيه يارا ورنا. 

وقد أثارت وجوه الإذاعيين الذين لم ألتق بكثير منهم على مدى سنوات بعض ذكريات الماضى وخاصة سنوات العمل فى قسم المذيعين بالبرنامج العام بالإذاعة المصرية الذى التحقت به عام ١٩٦٥. ومع بداية عملى لم يكن فاروق شوشة موجودا فى مصر، حيث كان يمضى فترة إعارة إلى إذاعة الكويت. ولكنه كان الغائب الحاضر، فقد كان الزملاء يرددون اسمه بكل المودة والحب طوال الوقت. وكانوا يفتقدونه أشد الافتقاد عندما كانت تنشأ معضلة لغوية تتطلب مرجعاً موثوقاً به فى اللغة العربية. فقد كان فاروق هو ذلك المرجع الموثوق به الذى سمعت شهادة زملائه له فى الوقت الذى كان فيه خارج البلاد وتفصله عنا آلاف الأميال. وحين قطع فاروق فترة إعارته للكويت قبل أوانها لعدم قدرته على الابتعاد طويلا عن معشوقته مصر وكنت أنا لا أزال مذيعاً تحت التدريب وجاءت الفرصة للتدريب العملى مع فاروق شوشة، وفى أول نشرة أخبار يقرأها وأنا معه فى الاستوديو رأيت العجب العجاب. فقد تحول الاستوديو إلى ما يشبه قاعة الموسيقى التى تصدح فيها فرقة كاملة تتردد أصداء ألحانها بين كل جنبات المكان. ولم يكن ذلك إلا بفعل صوت فاروق الذى يفيض بالعذوبة وبالقوة فى آن واحد، وكان من عادة فاروق أن يضبط إيقاع أدائه بتحريك مقدم حذائه رفعاً وخفضاً على الأرض مما يزيد من إحساس من يجلس معه داخل الاستوديو أنه فى حضرة فرقة موسيقية كاملة. وإلى جانب روعة الصوت والأداء كان تمكن فاروق شوشة من ناصية اللغة العربية وثقافته الكبيرة سبباً فى تفوقه فى العمل على نقل الإذاعات الخارجية حية على الهواء وخاصة فى الحقبة الناصرية. ونادراً ما خلت أى إذاعة سياسية خارجية فى ذلك الزمان من صوت فاروق شوشة، كما أنه برع أيضاً فى النقل الإذاعى الحى على الهواء سواء للإذاعات الدينية أو حفلات المنوعات. نعم فقد كان رحمه الله إذاعياً من طراز نادر قادر على العطاء فى العديد من المجالات على كثرة تنوعها وتباينها. أما مشروعه الكبير فكان بحق العمل على نشر اللغة العربية وتقريبها إلى آذان الجماهير من خلال الإذاعة. وقد نجح برنامجه الأشهر "لغتنا الجميلة" فى الوصول إلى درجة كبيرة من الشعبية قلّ أن تصل إليها مثل هذه البرامج الثقافية. ولم ينس فاروق طوال مسيرته الإعلامية الناجحة مشروعه الشعرى فتوالت قصائده ودواوينه الرائعة فاستحق عن جدارة جائزة النيل.

أما عن أخلاق فاروق شوشة فيمكننى أن أقول إنه كان أفضل زميل صادفته طوال حياتى العملية التى جبت فيها العالم من أقصى الشرق فى اليابان إلى أقصى الغرب فى الولايات المتحدة. تغمده الله بواسع رحمته.