رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نواصل المسيرة الفكرية مع الفقيه الشاب بيكاريا الذى نادى صراخاً بإلغاء عقوبة الإعدام من قانون العقوبات الإيطالى، بل امتدت أفكاره إلى خارج حدود إيطاليا ورحب بها صاحب العقد الاجتماعى فى فرنسا روسو. ونظرية بيكاريا فى الإلغاء لا تقوم على تصورات وأوهام وخيالات وتصورات شاعرية أو رمال متحركة، إنما أسست على قواعد اجتماعية وقانونية، بل وإنسانية مستمدة من نظرية «العقد الاجتماعى». إن نظريته تدور حول حماية المجتمع لعلاج أقوم «إن القسوة تولد الغضب، وأن الاعتدال يؤدى إلى الاعتدال».

وكأى دعوة جديدة وقفت التقاليد ضدها، إلا أنها بدأت تغزو أوروبا بأكملها شرقاً وغرباً مشفوعة بكل ألوان الفكر اجتماعياً كان أم سياسياً أم دينياً، فكانت الصياغة العامة والنهائية لنظريته الجديدة.

ولقد صمدت دعوة بيكاريا فى مواجهة المنادين ببقاء العقوبة كما هى، قال قائل منهم: «إننا إذ نلغى عقوبة الموت ليتفضل السادة القتلة بممارسة مهنتهم».

«اضمنوا لى أن ينام المجتمع قرير العين بدون هذه العقوبة».

إلا أن فكر بيكاريا بدأ كالشمس ينتشر فى ظلمات الدروب: فى 15/2/1777 كتب «فولتير» فى فرنسا مقالاً مطولاً تحت عنوان: «العدالة والإنسانية»، وقد هاجم فيه بحماس عقوبة الموت «حتى بالنسبة لقساة المجرمين».

وفى عام 1781 أصدر الفقيه «بريسو» مؤلفه عن «نظرية التشريعات العقابية، وأهداه إلى فولتير الذى سارع بإرسال رسالة له جاء بها «أن مؤلفه يعتز به كل مشرع وفيلسوف، إنه سيكون له دور محمود فى سعادة البشر»، ولقد تعرض «بريسو» لنظرية بيكاريا ودعم وجهة نظره بكثير من الأمثلة العملية التى عاصرها بحكم خبرته، وقدم حجة ضد الإعلام تحت عنوان: «الدم البرىء يثار».

حينما يخطئ القانون ويحكم بالموت على برىء وينفذ فيه الحكم، هل يمكن إصلاح ما قضت به العدالة؟

هذا أمر مستحيل، إذن إنه من العار الأبدى أن يكون المجتمع قاتلاً.

وبدأت دعوة الإلغاء تسرى فى جميع التشريعات كما النار فى الهشيم، فى إيطاليا، فى النمسا، فى السويد، وكان الغزو للتعاليم الإنسانية فى شرائع الغرب نحو الإلغاء، كل ذلك انعقد الفضل فيه إلى حماس ودعوة بيكاريا.

وفى قلب البرلمان الفرنسى وقف الفرنسى الثائر «روبسبير» فى 31/5/1791 كالشلال الهادر يقول فى بلاغة أخاذة:

«لقد وصل النبأ الحزين إلى أهل أثينا أن مواطنين لهم حكم عليهم بالموت ونفذ  الحكم عليهم فى مدينة «آرجوس» هب الشعب الأثينى كله وأخذ وجهته صوب المعابد، وارتفعت أيديهم بالصلاة الحارة وخروا سجداً إلى الآلهة طالبين منها أن تتدخل لتهب الأثينيين قلوباً رحيمة وتهديهم صراطاً مستقيماً: لا عنف فيه ولا قسوة ولا ألم ولا دم يراق على أيدى بنى البشر».

يسترسل روبسبير:

«إننى أقوم بنفس الصلاة، وأنادى بذات الدعوة إلى جميع المشرعين -الذين هم ظل الآلهة على الأرض- وألسنتهم الناطقة بقوانينهم الأبدية، تلك القوانين التى أودعتها الآلهة بين شغاف قلوبهم وطى أفئدتهم على هؤلاء المشرعين».