رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

التقينا مع هذه الحجة فى سياق سردنا السابق ذكره تحت عنوان كامل: إن العدالة الحقة ليست فى دنيانا، والقاضى من البشر والبشر يصيبون ويخطئون، والملاحظ أن القاضى إذا أخطأ فى عقوبة «عادية» فإنه يمكن تلافيها وإصلاحها بقدر الإمكان، أما إذا أخطأ فى حكم بالإعدام وتم تنفيذه فعلاً، فلا توجد فى الدنيا قوة قادرة على إصلاح ذلك الخطأ.

وإنه رغم إحاطة عقوبة الإعدام بسياج منيع من الضمانات، إلا أن الخطأ القضائى قائم، وكم نفذ حكم الإعدام فى كثير من المحكوم عليهم وثبت بعد تنفيذ العقوبة فيهم أنهم أبرياء.

والبشر، شهود الوقائع يصدقون ويكذبون، والجانى نفسه يعترف فى كثير من الأحوال لإنقاذ آخر، أو قيامه بالوعد له أنه سيأتى إليه بأقدر المحامين لإنقاذه والدفاع عنه، ثم إذ يصدر الحكم وتنتهى كل صور الطعن، فلا صيحة تجدى، ولا رجوع عن إقراره الأول بعاصمة من الموت، وكم سجل لنا تاريخ العقوبة كثيراً من هذه الصور.

من واقع الحياة القضائية، جريمة قتل بدائرة قسم المطرية وكان المجنى عليه «لواء شرطة» يعيش وحيداً فى «فيللته» وجد قتيلاً ذات صباح، تم القبض على المترددين عليه، وهم: الخادمة والجناينى وبائع الألبان، وقد اعترفوا بارتكابهم جريمة القتل تفصيلاً بمحضر الشرطة وفى تحقيقات النيابة العامة.

وأخذت الإجراءات والمحاكمة سبيلها إلى الانتهاء بصدور حكم الإعدام على ثلاثتهم، لأن الجريمة كانت «قتل عمد + سبق إصرار + سرقة».

وحال انتظار الجميع لتنفيذ الحكم بالموت، ظهر جديد فى منتهى المصادفة والغرابة.

«أحد رجال الشرطة السريين كان (يشرب جوزة) مع آخرين يعملون بأحد المخابز بالمنطقة ليلاً، ودارت رؤوسهم فما كان من أحد العمال إلا أن قال لرجل الشرطة: هل تعرف أن فلاناً وفلاناً وفلانة أبرياء فى جريمة قتل اللواء، وأننى أعرف القاتل الحقيقى وكنت- أنا - معهم، فما كان من هذا الشرطى إلا أن توجه فوراً لرئيس مباحث المطرية وأخبره بالأمر، وأعيدت التحقيقات وكشفت عن «بصمة» كانت قد وجدت بمسكن المجنى عليه، وكانت لمجهول، وتمت مضاهاتها مع بصمة أحد الذين قيل عن أسمائهم، وجاءت «متطابقة» تماماً، كما أنه وجد مع آخر بعض أوراق النقود بتسلسل للأرقام اتفقت مع ما كان قد وجد بحافظة نقود المجنى عليه، واعترف المتهمون «الجدد» تفصيلاً بارتكابهم الحادث، وتم إخلاء سبيل الآخرين الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الموت لولا المصادفة البحتة.

وكان قد ثبت فيما بعد أن اعترافهم الأول كان وليد تغرير بهم وتعذيب لم يحاول معه أحد منهم أو المدافعون عنهم - وكانوا منتدبين من قبل المحكمة - الدفاع عنهم، ولم يؤدوا واجبهم على خير وجه.

وهكذا وهناك غير ذلك من صور متعددة تبين أن لعبة الحياة والموت قرينة عقوبة الموت.

فى اعتراف أخير لوزير عدل مصرى سابق وكان يقص ذكرياته، حينما كان وكيلاً لنيابة فى مدن الجنوب، وفى نهاية الأربعينيات، قضى على متهم بإحالة أوراقه إلى مفتى الديار المصرية لاستطلاع رأيه فى العقوبة العظمى حسب نص القانون، ولما كان مرض الكوليرا قد انتشر فى البلاد وانعدمت المواصلات، تأجل رد المفتى، وما أن انقشعت الغمة حتى أعيدت محاكمة المتهم بدفاع جديد وهيئة قضائية أخرى، وتم الحكم عليه هذه المرة بالأشغال الشاقة عشر سنوات.

وهكذا تدخل القدر لإنقاذ «متهم» كان يمكن أن يكون طعمة للموت والهلاك.