رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رأينا فيما عرضناه من قبل ذلك التحول الذى أصاب المسيرة العقابية من دائرة القسوة والانتقام الى ساحة انسانية جديدة قوامها إعلاء شأن الانسانية فى ضوء ما قام به فلاسفة الفكر الانسانى بإعمال الرحمة والعدل سعياً لنظرة جديدة نحو «إنسانية المجرم».

وهناك من كان له الفضل فى هذا المضمار نجم تلألأ فى سماء الجريمة والعقوبة إنه «الطبيب الإيطالى» الذى وسعت شهرته الآفاق فى معالجة المجرم والوقوف على علاجه بدلاً من «دائرة الانتقام القديمة» وكان لهذا الاتجاه الانسانى وقد وجد صداه عند معاصريه الفقيه «فيرى» أستاذ القانون الجنائى بجامعة روما، أخذوا بنا صوب آفاق جديدة قوامها الانسانية كالتالى:

(أن يتخلوا عن التركيز على «أوراق القضية» وإنما آن الأوان أن يوجهوا وجهتهم صوب التعرف على ظروف المتهم، والوقوف على العوامل التى تؤثر فى نفسيته وإيجاد التفرقة والفرز الدقيق، ذلك الخيط غير المرئى بين الانسان السوى العاقل والآخر المجنون أو من مسه السوء فى ادراكه وسلوكه).

وفى ظل هذه الظروف والاتجاهات الفلسفية ظهرت نظرية «محاكمة المجتمع» إنه وراء الإثم والخطيئة، وظهرت آراء ترى الدفاع عن المجتمع أصلاً أما عن المجرم فيأتى ذلك عرضاً، الا أن صوت الدفاع كان هادراً فهذا هو المحامى الشهير بين أبناء جيله الايطالى «جراماتيكا» ونظريته فى «مبادئ عن الدفاع الاجتماعى».

قال: «إنه إذا كان الدفاع الاجتماعى غاية قريبة، فهناك غاية بعيدة هى اصلاح المتهم ومن أجلها يتعين إلغاء فكرة العقاب لتفسح المجال لتدابير الدفاع، لم يعد الأمر تقرير عقوبة لكل جريمة، بل ايجاد تدبير لكل شخص كيف يكون السبيل»، يقول جراماتيكا: «علاج المريض - حيث إن المذنب مريض فى نظره - تثقيف الجاهل وتقويم المعوج».

والنتيجة المرجوة إذن «أن الغاية المثلى للنظام العقابى تتمثل فى إعادة المنحرف الى حظيرة المجتمع، وأن منع الجريمة - قبل وقوعها - يغنى عن الحاجة الى عقابها، وذلك بالعمل الدائب على تغيير ظروف المجتمع الذى على أرضه تنبت بذور الجريمة وتتعمق جذورها».

وجاء الطبيب البلجيكى «فيروايك» وقضى جزءاً كبيراً من حياته فى مخالطة المجرمين مرضى أم فى الإشراف على السجون:

«على الجميع أن يساهم فى اصلاح ذلك المرض المستطير، عالجوا المجرم بدلاً من عقابه»، وكانت دعوته صوب علماء الاجتماع وفقهاء القانون وقضاة البشر والأطباء العاديين والنفسيين، والفلاسفة وزعماء الاصلاح: «أصلحوا شأن الجناة أخلاقياً، وأيضاً تأكيد حريتهم فى نطاق انسانيتهم».