رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

كلام

لم يمنعه عمره الذى كان قد تجاوز السبعين عامًا مِنْ أنْ يحلم ويسعى لتحقيق حلمه.. كان أمل الدكتور بطرس غالى أنْ يستمر أمينًا عامًا لهيئة الأمم المتحدة لفترة ثانية، بعد خمس سنوات قضاها على قمة المنظمة الدولية من عام 1992.. ولم تمنعه سِنُه من السعى للاستمرار فى إدارة شئون العالم.. غير أنَّ حِلمَه هذه المرَّة لم يتحقق؛ لأنَّ قوة وإرادة أخرى كانت أقوى من قوتِه وإرادَتِه هو ومؤيدوه. فترك بطرس غالى مَنْصِبَهُ فى عام 1996، بمؤامرة أمريكية حالت دون استمراره فى منصبه فترة ثانية.. عاقبوه لأنَّه شكَّل لجنة للتحقيق فى جريمة إسرائيل البشعة، وقتلِها النساء والأطفال فى مقر للأمم المتحدة بقرية «قانا» فى الجنوب اللبنانى، كانوا قد لجأوا إليه، خوفًا من غارات الطائرات الإسرائيلية التى دكَّته بالصواريخ، فقتلت مِنهم مائة طفل وامرأة.. رفض بطرس غالى وقتها الأوامر الأمريكية بعدم نشر تقرير اللجنة التى شكَّلها.. منعه ضميره من التواطؤ مع الامريكان، لتمرير جريمة الصهاينة الاسرائيليين، ففشل فى تحقيق حِلمِه الذى عمل عليه نصف مدة بقائه فى مبنى هيئة الأمم، الذى وصفه بأنه بيت من زجاج.. فشل رغم تأييد كل الدول الافريقية، والعربية، والأمريكية الجنوبية، وروسيا والصين وفرنسا؛ لأنَّ أمريكا بكل جبروتها لم تكن تريد التجديد للرجُلِ العنيد.

ورغم خسارته حلمه بالاستمرار فى منصب الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، ورغم عُمرِه الذى كان قد أشرف على الثمانين، فإنَّه لم يستسلم ولم يستكن، فاستأنف مَعَارِكَهُ بأخرى لم تكن أقل كثيرًا من معركة الاستمرار فى البيت الزجاجى للأمم المتحدة، فقرر الترشح لمنصب الأمين العام للمنظمة الدولية للفرانكفونية، وتقلَّد المنصب لمدة أربع سنوات من 1998 إلى 2002، ولم يكن الفوز بهذا المنصب سهلًا، فقد سافر بنفسه آلاف الأميال للقاء رؤساء ووزراء خارجية الدول الأعضاء فى هذه المنظمة، لحثهم على تأييد دولهم له، ولم يكتفِ بالدعم القوى ــ وقتها ــ من الرئيسين الفرنسى جاك شيراك، والمصرى حسنى مبارك .

 ورغم أنَّه كان قد تجاوز العقد الثامن من عمره، إلا أنَّه قد تَصَدَّى فى العام 2003 لتأسيس ورئاسة وإدارة أول مجلس قومى لحقوق الانسان فى مصر، ولم يمنعه قُربُه من الرئيس مبارك من أن يُصدِر تقارير تنتقد النظام وانتهاك بعض مؤسساته لحقوق المصريين.

لم تمنع السن والعمر الطويل الدكتور بطرس غالى ــ الذى نُشيعه اليوم ــ من تحقيق أحلامِه، ولم يمنعه الفشل مرة من أنْ يستسلم وييأس، وظل قرابة قرن من الزمان يقدم طوال مشوار حياته دروسًا، تؤكد أنَّه مُقاتِل مُثابِر صَبور دؤوب، لاتُعِيقه العقبات عن تحقيق الآمال التى عاش بها ولها.. ولمَا استسلم، مات الأمل داخله، فمات..