رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مواجهة

اكتملت خارطة الطريق بانعقاد مجلس النواب، ايذانا ببداية مرحلة جديدة فى تاريخ المجالس النيابة فى مصر، لا أبالغ إذا رأيت أنها من أخطر مراحلها، خصوصا أنها تأتى فى أعقاب ثورتى يناير ويونيو، مما يزيد من حجم المسئولية وضخامة المهام الملقاة على عاتق مجلسنا الموقر. وحتى نكون على درجة من الانصاف تجاه نوابنا الأفاضل، مدى توفيقنا فى انتخابهم وتقييمنا لما نتوقعه منهم من أداء يلبى طموحاتنا، دعونا نؤكد منذ البداية أن التعليم والديمقراطية أشبه بوجهين لعملة واحدة وإذا كان يصعب إصلاح التعليم بين يوم وليلة، فإنه يصعب بالتالى أن نتوقع حياة نيابية نرضى عنها كل الرضا، وبالتالى فلا يمكن التعامل مع المجلس بصورته الراهنة بمعزل عن النظام التعليمى الذى أوجده، فهو على نحو ما نتاج مباشر له. فالديمقراطية السليمة تنتج نظاماً تعليمياً محترماً، والتعليم الصحيح بدوره يؤدى بالضرورة إلى ديمقراطية حقيقية. ولعل هذه العلاقة تدفعنا إلى إدراك المهمة الثقيلة المزدوجة للجنة التعليم بمجلس النواب، مع تقديرنا العميق لجميع اللجان الأخرى، فهى تشارك بقية اللجان فى إصدار التشريعات ومنها ما يتعلق بالتعليم، لكنها من ناحية أخرى مطالبة بالدفاع عن قيم الديمقراطية التى تمكنها من إيجاد النظام التعليمى الذى يدعمها، فهى إذا كانت تختص بالتعليم لكن عليها أيضا أن تكون حامية حمى الديمقراطية فى المجلس، وبذلك تقدم لنا نموذجا يحتذى به فى الحوار والمناقشة وطرح الاستجواب. طه حسين فى كتابه مستقبل الثقافة فى مصر أكد لنا العلاقة الجدلية بين التعليم والديمقراطية فالدولة الديمقراطية ملزمة أن تنشر التعليم الأولى، وتقوم عليه لأغراض عدة. أولها أن هذا التعليم الأولى أيسر وسيلة يجب أن تكون فى يد الفرد ليستطيع أن يعيش. والثانى أن هذا التعليم الأولى أيسر وسيلة يجب أن تكون فى يد الدولة نفسها لتكوين الوحدة الوطنية. واشعار الأمة بحقها فى الوجود المستقل الحر، وواجبها للدفاع عن هذا الوجود. والثالث أن هذا التعليم الأولى هو الوسيلة الوحيدة فى يد الدولة لتمكن الأمة من البقاء والاستمرار .... وإذا كانت الديمقراطية مكلفة أن تضمن للأفراد الحرية كما ضمنت لهم الحياة، فإن الحرية لا تستقيم مع الجهل، ولا تعايش الغفلة والغباء، فالدعامة الصحيحة للحرية الصحيحة إنما هى التعليم، ويمضى طه حسين فى كتابه فيقول «إذا كانت الديمقراطية مكلفة أن تضمن للناس السلم الذى يحميهم من أن يعدو بعضهم على بعض فى داخل حدودهم الجغرافية، والذى يحميهم من أن يعدو عليهم الأجنبى، فإن هذه السلم لا يستطيع أن يوجد لأن الدولة تريدها على الوجود... فالرجل الذى لا حظ له من الحرية عاجز بطبعه عن إيجاد السلم وعن حمايتها، بل عاجز بطبعه عن تصور السلم. إنما هو قادر على أن يعيش ذليلا، وعلى أن يكون باغيا إن أتيحت له فرصة البغى والعدوان. فلن تستطيع الديمقراطية أن تكفل للناس حياة ولا حرية ولا سلما إلا إذا كفلت لهم تعليما يتيح لهم الحياة، ويبيح لهم الحرية، ويمكنهم من السلم... وأنه لمن المضحك حقا أن يقال إن الشعب مصدر السلطات، وأن يظن أن هذا الكلام يدل على شيء فى بلد كثرته جاهلة غافلة وقلته ذكية مثقفة. من الذى يصدق أن هذا الرجل المثقف الممتاز يؤمن فيما بينه وبين نفسه بأنه يستمد سلطانه الذى يصرف به الأمور من هذا الشعب الجاهل الغافل الذليل. أن هذا الرجل بين اثنين: فإما أن يكون طيب القلب، كريم النفس، يؤثر العدل والنصح للشعب فى سيرته، حاكماً أو نائباً لكن هذا الرجل نادر، نتصوره ونحب أن نتصوره، وإما أن يكون رجلا وصوليا يحب نفسه ويؤثرها بالخير، ويخضع عقله وقلبه وضميره وملكاته كلها لإرضاء شهواته وتحقيق أغراضه، وإذن فسيظلم أن مدت له أسباب الظلم، وسيطغى إن هيئت له وسائل الطغيان، فإذا لم تتهيأ له القوة، ولم تمد له الأسباب، فإنه يصطنع الخداع والتضليل، ويعبث بالعقول والألباب، ويخيل للشعب أنه مؤمن به، مدافع عن حقه، وهو فى كل ذلك لاعب بالشعب والشعب غافل عن لعبه، لأنه لم يثقف، ولم يعلم، ولم يهيأ لمحاسبة الحاكم والنواب. التعليم نقطة البداية إذا اردنا حياة ديمقراطية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، والديمقراطية عليها أن تسعى وتجعل التعليم مشروعها القومى إذا أرادت تدعيم وتثبيت مكانتها الجديرة بها. أتمنى من أعضاء مجلس النواب الموقر إعادة قراءة كتاب مستقبل الثقافة فى مصر مرة أخرى.