رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

كُنت ومازلت أرى ثورة الجزائر واحدة من أعظم ثورات التاريخ الإنسانى التى تُعد نموذجاً يُحتذى فى حدتها وقوتها وتضحيات أبنائها.

وحسين آيت أحمد، الذى رحل قبل أيام كان واحدا من أهم أبطال الثورة الجزائرية وإليه ينُسب الفضل فى تكوين الخلايا السرية لجبهة التحرير . وكان رحمه الله  شجاعاً بلا حدود، حاداً، ذكياً، يمتلك عزيمة وإصراراً واقداماً، لكنه كان مجنوناً بالثورة والتمرد الدائمين .

بعد استقلال الجزائر سنة 1962 استمرت شعلة الحماس الوطنى مُتقدة عند آيت أحمد ودفعته ثوريته إلى التمرد على الدولة وقيادة مجموعة من أتباعه لإعلان استقلال منطقة القبائل عن الجزائر، لكنه انهزم بسبب إصرار الجزائريين على وحدة الأراضى، وتم القبض عليه وصدر ضده حُكم بالإعدام.

ويشاء القدر أن يقوم هوارى بومدين وزير دفاع الجزائر بانقلاب ضد الرئيس أحمد بن بله، ويجد أنه من الصعب عليه نفسياً تنفيذ حُكم الإعدام فى أحد القادة التاريخيين للثورة ضد المُحتل، فيُدبر فراره إلى خارج البلاد ،ومن يومها يتحول بطل الثورة إلى مُعارض سياسى لا يرضى عن توجه ولا تعجبه أى سياسات .

ومن الخارج يبُث المُعارض رسائله وأراءه ضد هوارى بومدين نفسه، والذى لم يحب الجزائريون رئيساً مثله، ثُم يُهاجم الرئيس الشاذلى بن جديد، وينتقد الإسلام السياسى والعسكريين على السواء، ويتهم القائمين على السُلطة بالفساد. وفى الغُربة يموت آيت أحمد فلا يعود لبلاده إلا محمولاً على الأعناق ليوارى التُراب.

وتلك مأساة كثير من الثوار الذين يتحولون إلى كُرة لهب لا تنطفئ. ينطلقون فلا يتوقفون، ويتقدمون فلا يهجعون. يتصورون أن الحياة ثورة دائمة، وأن التمرد طبيعة من طبائع الوجود.

مثل هؤلاء لا يعترفون أن الثورة مُجرد وسيلة للتغيير، أو نقلة تكتيكية. هُم دائماً فى نشاط. فى تحد، فى عمل سرى، فى مُغامرات. طاقاتهم لا تتعطل، وآمالهم بتحقيق انتصارات لا تنتهى. وهُم فى تصورى رغم نقائهم أخطر على الأوطان من أعدائها، لأن وطنيتهم كثيراً ما تدفعهم لارتكاب حماقات، وحماسهم غالبا ما يورطهم فى أخطاء.

ورُبما كان البطل الجزائرى العربى بن مهيدى الذى استشهد خلال حرب التحرير يعلم ذلك فأصر على أن يموت قبل أن تتحرر الجزائر وقال مقولته الشهيرة «إن الجزائر ستتحرر، وسيتنازع الثوار على الكراسى، وأفضل أن أموت خلال الحرب قبل أن أقاتل بنى وطنى على مكسب أو كرسى».

رحم الله آيت أحمد، ونفعنا بحكايته، خاصة أن هُناك فى مصر ألف آيت أحمد يعتبرون الثورة فعلاً مُستمراً، وغاية لا وسيلة. وحسبُنا أن نرى كثيرين ممن احتشدوا للثورة على حُكم الإخوان فى مصر فى 30 يونيو سنة 2013، وهُم الآن يرفعون شعارات الثورة مُستمرة أو يدعون للتمرد على الدولة، غير عابئين بما يتبع ذلك من خراب أو ما يحيط به من خطر.

 الخلاصة: إننا فى وقت لا يُمكن خدمة الوطن فيه سوى بالعقل.. والله أعلم.

 

[email protected]