عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

أكتب منذ سنوات عموداً يومياً في جريدة سياسية ولكنني لم أكتب يوماً عن السياسة!

كتبت في الثقافة والتنمية والإدارة والإنسانيات وتطورات العلوم ومحتويات الكتب وتطبيقات التكنولوجيا، لكنني لم أكتب يوماً عن السياسة!

ظللت أراقب بصمت ما يدور في الساحة السياسية، وأتأمل اسرائيل وقد أصبحت دولة معترف بها، ومطبع معها، على كافة الأصعدة! لأتأرجح بين الشك في أن كلماتنا وأفكارنا السياسية المنشورة في كل مكان قادرة على إحداث تغيير، وبين اليقين بأن الكلمة قادرة على تحريك آلاف العقول، تماماً كإلقاء حجر في بركة ساكنة، وأنها هي الرقيب الذي لا يجامل، والحاكم الذي لا يجور.

لطالما اعتقدت أنه مع وجود كل هذا الكم من التحليلات السياسية، والتغطيات المباشرة، والقنوات الإخبارية، تصبح الحاجة للإيجاز في مقابل الإسهاب، وللنظرة الشمولية بدل الإغراق في التفاصيل، لمقال يجعل الناس تفكر بشكل مختلف، وتنتبه إلى أن السياسية ملكت كلاً منا مقدرات على التحليل والاستدلال والمقارنة الاستنتاج وتوليد البدائل وإيجاد الحلول، مقدرات يمكن استخدامها في مجالات الحياة المختلفة، في البيت، والعمل، ومؤسسات المجتمع المدني، لأنها مهارات تفكير تم صقلها وتدريبها بشكل يومي على مدار سنوات طوال، لتتحول إلى ثورة معرفية، مع وقف التنفيذ.

إن أسئلة من نوع ما الذي يراد إيصاله من خلال هذه الحلقة التليفزيونية المقدمة، أو الفيديو الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، أو الخبر الذي أعلن عنه فجأة ليصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس، هي أسئلة مشروعة في زمن المصادر المفتوحة للخبر، وعمليات التحرير النشطة التي تحول نفس المعلومة إلى مظهر مختلف، وهواية القص واللصق التي تبدأ ولا تنتهي.

وإيماني الذي ظللت أردده دائماً (كلنا اليوم صحفيون)، فكثير من القنوات الاخبارية فتحت خطوط تواصل مباشرة مع كل من يريد إرسال مقاطع فيديو تكشف تسلم رشاو، أو إطلاق نار على عزل، أو حالات تعذيب تتم داخل أحد السجون، أو إهمال يتم داخل أحد مستشفيات ذوي الاحتياجات الخاصة أو في دور الأيتام القصية، ليكون بذلك المواطن هو الصحفي الأول، لأنه هو صاحب الهم الحقيقي، وهو الذي كان هناك في لحظة الحدث، وليس بعد أن يصل الإعلام بأدواته الضخمة التي تجعل الفاعل يعد لسؤاله ألف جواب، ولمأزقه ألف مخرج.

كصحفي من السهل أن تجد إحصائية للتسوق عبر الانترنت عام 2015، أو احصائيات لنوادي كرة القدم وانتقال اللاعبين محدثة يوماً بيوم، أو قائمة بأغنى عشرة فنانين عرب! وبكبسة زر تستطيع أن تصل إلى التعداد السكاني والمعلومات الجغرافية لجميع الدول، ولكنك في المقابل لن تستطيع أن تحصل على إحصائية للمعتقلين السياسيين في سجون البلاد العربية، ولا إحصائية للمقالات التي لم يتم نشرها ولا الجرائد التي تم إيقافها.

لن تستطيع أن تقدر النسبة من ميزانية الدول التي تصرف على العاملين على تلميع صورتها، وتضخيم إنجازاتها، ولا مقادير الأموال التي تسرق من الموظفين الكبار والصغار والتي يغض الطرف عنها إلى حين تدور دائرة الأيام، فتصفى الحسابات الشخصية بمستندات من الأدراج الخفية، يقدم بها المغضوب عليهم إلى محاكمات علنية بتهمة سرقة أموال الشعب! يصبحون حديث الإعلام، والمقاهي، والمجالس، والبيوت، ليشعر الناس أن البلاد قد بدأت موجة من الإصلاح الإداري والشفافية، يفرغون غضب السنين في التفاعل مع قضايا وهمية، ماهي إلا تصفية لبعض الحسابات، بينهم.

وستحتاج إلى الكثير من الجهد لتجد المعلومات الحديثة عن أزمة بلد عربي ما دام أن هناك بلد عربي آخر قد تصدر عناوين الأخبار، فبمجرد أن تتوجه الأنظار إلى العاجل ننسى آلام من ظلوا لسنوات أخباراً عاجلة عن القتل والتشريد والاحتلال، نتركهم عزلاً يواجهون مصيرهم وحدهم، لأن كاميرات السلطة الرابعة ومراسليها وكتابها مشغولون بمتابعة وتقديم ما يحقق للإصدارة مطالعات أكثر، وما يضمن أن ما تقدمه القناة هو تماماً ما يطلبه المشاهدون.

اكتشفت أنني طوال هذه السنوات لم أكتب في السياسة نعم، ولكنني نمت واستيقظت عليها، مضى فيّ سحرها حتى أصبحت لي مثل كل العرب، الهواء الذي أتنفسه.

 

كاتبة صحفية

[email protected]