رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

 

 

عاتبنى بعض الزملاء الأعزاء، لأننى طالبت بإلغاء بدل التدريب والتكنولوجيا الذى تمنحه الحكومة كل شهر للصحفيين، لكن العتب بدا لى مقتطعا من سياقه،على طريقة» لا تقربوا الصلاة» دون استكمال الآية الكريمة  «وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون». وقبل عدة أيام استضافنى الزميل «جابر القرموطى» بصحبة الزميلتين «ماجدة محمود» رئيسة تحرير مجلة حواء و»امل فوزى» رئيسة تحرير مجلة نصف الدنيا فى برنامجه اللامع «مانشيت»، ومع أن موضوع الحوار كان عن الصحافة النسائية، فقد كان من الطبيعى فى وجود ثلاث  صحفيات رؤساء تحرير أن يتطرق الحوار إلى مشاكل مهنة الصحافة .

والصحافة المصرية ,تعانى منذ عقود من السياسات التى تحكمت فى مصائرها . فقد ظل مجلس الشورى- الذى تم إلغاؤه  فى الدستور الجديد، وآلت إليه ملكية المؤسسات الصحفية القومية، بعد إلغاء الاتحاد الأشتراكى, والانتقال لنظام التعدد الحزبى, هو الذى يتحكم فى تلك المؤسسات،باختيار رؤساء تحريرها ورؤساء مجلس ادارتها, وفق صفقة غير معلنة،يدافع فيها هؤلاء عن النظام القائم ويبررون سياساته ويروجون لها، فى مقابل الصمت التام على الطريقة التى يديرون بها تلك المؤسسات الصحفية .وكان من الطبيعى فى غيبة المراقبة والمساءلة، وتعطيل عمل الجمعيات العمومية  فى تلك المؤسسات , والاغداق المالى غير المسبوق على قيادتها العليا بقوانين فاسدة وبغير ها، أن ينتشر الفساد المالى والادارى فى أقسامها المختلفة , وأن تكتظ بالعاملين فيها من الأقارب والمحاسيب ومن يبدون حسن الولاء،الذى بات هو – لا الكفاءة والموهبة - المعيار الوحيد للترقى الوظيفى وللنشر  ولأخذ المنح والعلاوات والبدلات والسفريات والتعيين فى المكاتب الخارجية لتلك المؤسسات،التى كشفت الأحداث أن بعضها كان يدار لخدمة مصالح مالية لبعض قيادتها،وظل  بعضها فى مواقعه  القيادية لأكثر من ربع قرن، ووصل ما يتقاضاه بعضهم من رواتب  وحوافز ونصيب من اعلانات الاصدارات الصحفية لمؤسسته نحو مليون جنيه شهريا،بينما كان يرأس آلافاً من الصحفيين والعاملين لايتجاوز راتبهم الشهرى ألفى جينه،وكان من الطبيعى ان تبلغ ديون تلك المؤسسات الصحفية الآن نحو 12 مليار جنيه.

 وفى ظل هذه الأجواء العشوائية والفاسدة اختلت المعايير المهنية، وديس بالأقدام ميثاق الشرف الصحفى وقانون نقابة الصحفيين، فاختلط الإعلان بالتحرير، وغدا أكثر الصحفيين شطارة،هو من يتحول من مندوب لصحيفته فى الوزارات والمؤسسات الحكومية، إلى مندوب لتلك الوزارات فى الصحيفة، يمنع نشر أى نقد لسياساتها،فى  مقابل الحصول على اعلاناتها وهداياها وبدلاتها، واسفرت هذه السياسة الخربة عن بروز أباطرة الصحافة الأثرياء  وأغلبهم من الشباب  الذين تنحصر موهبتهم فى  جلب الاعلانات،بالفهلوة أحيانا، والابتزاز والنفاق  لمسئولى الشركات ورجال الأعمال  فى كثير من الأحيان.

وفى جانب آخر، توسعت الدولة فى انشاء كليات للإعلام فى الجامعات الحكومية, فضلا عن الجامعات الخاصة دون دراسة لسوق العمل الصحفى، ودون توسع مدروس للمؤسسات الصحفية، ونقص فى كوادر هيئات التدريس، وفى المعامل المخصصة للتدريب، فازدادت أعداد العاطلين من خريجها، فضلا عن البطالة المقنعة فى المؤسسات القومية،واستغناء المؤسسات الصحفية الخاصة عن بعض العاملين بها خفضا للنفقات،علما بأن نحو 60% من الكوادر الصحفية العاملة فى تلك المؤسسات الخاصة  هم من كوادر  الصحف الحزبية والقومية، وكان من اللافت للنظر  استعانة تلك الصحف الخاصة  باثنين من رؤساء مجالس ادارات الصحف القومية  للعمل كرؤساء لمجالس ادارتها . وبصرف النظر عن مدى أخلاقية هذا الإجراء  ومشروعيته، فهو يثير اسئلة بلا اجابات  حول قضية تضارب المصالح!

وفى عام 1984بدأت الحكومة  للمرة الأولى،فى سياق سعيها للسيطرة على النقابات المهنية، سياسة منح بدل التدريب للصحفيين بهدف دعم نقيبها المرشح فى انتخابات نقابة الصحفيين، وبدأ صرف هذا البدل بثلاثين جنيها، وكان قاصرا على  الصحفيين العاملين فى الصحف القومية وحدها، وتحملت المؤسسات القومية صرفه لعدة سنوات، قبل أن تنؤ المؤسسات الصحفية الفقيرة بعبء حمله،فحلت وزارة المالية فى صرف البدل من ميزانيتها لصحفيي الصحف القومية، فضلا عن الاداريين والعاملين بها، واتسع نطاق المستفيدين من البدل بعد أن حصل عليه صحفيو الصحف الحزبية، والصحف الخاصة، وقد ارتفع الآن ليصل إلى مبلغ  1300 جنيه شهريا قابلة للزيادة كل عامين، مع الموعد الدورى لانتخابات نقابة الصحفيين، وهو ما يحمل  ميزانية الدولة نحو 150مليون جنيه سنويا .

وكان هذا البدل هو احد أوجه السياسة الحكومية المدمرة  للأجر المتحرك والأجر  الثابت المنخفض، الذى يحسب عليه المعاش، حيث  يفاجأ المحال إليه  بانخفاض دخله وهو فى سن الشيخوخة والمرض، وهى السياسة التى تسعى الحكومة الآن لإصلاحها بقانون الخدمة المدنية الجديد. وليس سرا ان بدل التدريب والتكنولوجيا، قد انعكس بالسلب  على مهنة الصحافة برغم انه يشكل المورد الرئيسى للدخل  لنحو 50% من الصحفيين المقيدين فى النقابة ويبلغ عددهم نحو عشرة آلاف عضو . وهناك صحف لا تصدر بشكل دورى تبيع عضوية النقابة لبعض من يرغبون فى العمل بها, مقابل اقتسام قيمة البدل معهم، وأصبح البدل،وليس حب المهنة والرغبة فى الاجتهاد والتميز فيها، هو الهدف الرئيسى لكل من يرغبون فى العمل فى المؤسسات الصحفية، وأصبح مطلب هؤلاء هو التعيين دون أخذ أجر، مقابل الحصول على عضوية النقابة  للحصول بالتالى على البدل. كما ليس سرا ضعف  الامكانيات  المعرفية واللغوية والمهنية  لهذه النوعية من المنضمين الجدد إلى عضوية النقابة لأجل تقاضى البدل  ،ولعل الشروط الجديدة التى وضعها مجلس النقابة الحالى، للقيد فى جداولها،أن تساهم فى الحد من هذه الظاهرة التى هوت بمهنة الصحافة إلى السفح  ودمرت تقاليدها وأعرافها وقوانينها، بعد أن كانت واحدة من مهن المجتمع المرموقة، وكانت مهنة رائدة فى عالمها. ويغدو من الضرورى كذلك أن تعقد كليات الإعلام فى الجامعات اختبارات قدرات  لقبول الدارسين بها . لهذا قلت فى برنامج «مانشيت» أن إلغاء هذا البدل ضرورة للارتقاء بهذه المهنة، لكن هذا الالغاء يظل مرهونا بصدور لائحة أجور عادلة للصحفيين تكفل لهم أداء وظائفهم بحرفية ومهنية واستقامة وتكافؤ تام فى الفرص، وتحفظ لهم حياة كريمة  خالية من الضغوط المادية والمعنوية،لذا لزم التنويه.