رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى الأسبوع الماضى سمحت لى الظروف أن أتبادل أطراف الحديث مع أحد الفلاحين المصرين، وفى الحقيقة وجدت فيه ما لم أكن أتوقع من الثقافة والعلم المتواضع الذى لايخلو من المنطق، بل من  الحكمة فى كثير من الأمور، ولكن إلى جانب ذلك إستشعرت لديه لمحة من الحزن الدفين على ما آلت إليه أحوال الزراعة فى مصر.

وبحكم نشأتى الريفية كإبن لفلاح مصرى، فهمت كل ما يجول بخاطره. فسألته متطفلا: هل تشتكى من الحكومة أم من الوزير أم من الجمعية الزراعية وبنك التنمية، أم من محافظ الإقليم؟ فرد قائلا أشتكى من كل هؤلاء، فلم يتورع أى منهم عن ظلم الفلاح المصرى، وأخذ لسان حاله يبوح بما يلى:

لم تضع الحكومة سياسة زراعية واضحة تنهض بالزراعة فى مصر. إذ بسياساتها العشوائية المتخبطة ضاع المحصول الاستراتيجى وهو القطن، وبسياستها المائية والعدائية تجاه الفلاح المصرى، يوشك محصول الأرز أن يضيع هو الآخر، حيث التخبط فى قرارات الاستيراد والتصدير. إذ يتم غلق باب التصدير لحين انتهاء موسم الحصاد، ثم يتم فتحه ليحصل التاجر والمحتكر على جهد وعرق الفلاح المصرى، ومع ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية وإنخفاض أو ثبات أسعار المحاصيل، ونرى ما تقدمه كبريات الدول من دعم لمزارعيها، يأتى عام 2015 لتطبيق الضريبة الجديدة على الأطيان الزراعية والتى كنا نأمل أن يكون هناك ربط بين هذه الضريبة وبين ما يزرعه الفلاح المصرى، حيث تخفف على المحاصيل القومية والاستراتيجية مثل القطن والأرز والقمح والذرة، وتضاعف على المحاصيل الهامشية مثل الفراولة والكنتالوب ولب البطيخ وما شابه.

أما وزير الزراعة فهو اليوم فى قبضة العدالة ولكن توابع الوزير موجودة، ولا تزال تمسك بزمام الأمور فى هذه الوزارة الهامة، والتى يعد الفلاح المصرى هو عمودها الفقرى وليس وزير الزراعة، ولن يصلح هذه الوزارة تولى وزير أو خفير فهى تحتاج إلى مبيد فعال لتطهيرها من تلك العناصر الفاسدة.

وإذا نزلنا إلى مستوى الجمعيات الزراعية أو المشتركة، فأين أرباح المساهمين منذ عشرات السنين؟ هل سمعتم يوما أن واحدة من هذه الجمعيات قامت بتوزيع عائد أو أرباح على مساهميها، وكم تبلغ نتيجة أرباح هذه الجمعيات سنويا، وما هى مصارف توزيعها؟

وإذا ساقتك الأقدار تحت ذل الحاجة فذهبت مقترضا من بنك التنمية والإئتمان الزراعى، فسوف توقع أو تبصم قبل أن تقبض مليما واحدا على الآتى: عقد قرض، عقد بيع الثمار أو المحصول، عقد وكالة للبنك غير قابل للفسخ أو الإلغاء، وعقد بيع ابتدائى بالأطيان الزراعية أو الأرض الفضاء أو العقار محل القرض، ناهيك عن الإلتزام بالتأمين على المشروع او موضوع القرض، وما يطلب من مستندات وضمانات أخرى، والويل كل الويل لمن يتعثر ( وعن ظروف التعثر حدث ولا حرج) من دفع عمولات وغرامات ومصاريف إدارية وذلك أضعف الإيمان.

وأخيرا وليس آخرا سألت محدثى عن مظلمته من محافظ الإقليم فكانت معاناته من المحافظ وتابعيه تفوق كل ماسبق، إذ تحدث فقال: نعانى من سوء المرافق (تعليم- صحه- مياه شرب- صرف صحى- طرق إلخ) ومع ذلك نتحمل ونصبر لعل الله يجعل بعد عسريسرا، فقد أصابنا اليأس وفقدنا الأمل فى توظيف أبنائنا، ولا نطمع فى تسكينهم بمعرفة الحكومة، ولكن عندما نقوم بحل هذه المشكلة بالبناء على أرضنا وأملاكنا لإيجاد محل للسكن أو فرصة للعمل لهؤلاء الأبناء يقوم المحافظ ورجاله بهدم هذه المساكن لكى يثبت للحكومة أنه موجود، وتسجل له القنوات التليفزيونية إنجازات تحسب له، بعد أن تكون قد استكملت كل مقوماتها الحياة، ونحن نسأله:

ألا يعد ذلك هدما لاقتصاد دولة؟
لماذا لا يتم القضاء على هذه المخالفات فى المهد؟
هل تصلح تلك الأطلال والكتل الخرسانية للزراعة بعد ذلك؟
من يحل أزمة إسكان الفلاح وتوظيف أولاده الذين تخلت عنهم الدولة منذ عام 1984، وأغلقت فى وجوههم أبواب الدول المجاورة للظروف التى نعلمها جميعا؟
لقد كانت البيروقراطية والفساد فى الزراعة والمحليات وراء هذه المخالفات، لأنه لابد وأن يكون للقرية او المدينة نموا طبيعيا، وإلا حدث الانفجار وهذا ما نعيشه اليوم، فقد اتسع الخرق على الراقع.

وفى رأيى أن هذا الفلاح صادق فيما يقول، فهدم هذه المبانى تدمير لاقتصاد قومى ومثل البناء على الأرض الزراعية كمثل الطفل من السفاح، إذا ولد لا يجوز قتله بإجماع الشرائع السماوية، وكان الأولى للحكومة إجراء المصالحه معه شأنه  في ذلك شأن من نهبوا وسرقوا أموال الشعب وأموال البنوك من قبل، وتبذل المساعى والجهود للتصالح معهم، لاسيما وأن خزانة الدولة خاوية، وهى فى حاجه ماسة  إلى الدعم بدلا من الهدم، والقصد من المصالحة هنا، ليس فى مخالفات البناء فحسب ولكن فى كل ما ورد على لسان هذا الفلاح المصرى،الذى يعد وبحق أحد أهم العناصرالمنتجة فى مصر،  وإلى القيادة السياسية أرفع هذه المظلمة، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.

 

مستشار سابق بالجهاز المركزى للمحاسبات

والمحاضر بالجامعات المصرية