رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

فى حديث معه ، روى لى عالم الاقتصاد الكبير الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله أن أحد كبار المسئولين الفرنسيين وجهت له تهمة استغلال نفوذ حصل بموجبه على شقة صغيرة فى ضاحية فى باريس، وحين تم ابلاغه بالتحقيق معه فى هذه الواقعة اقدم على الانتحار، مع أنه  كان قد دفع الثمن المطلوب  منه للشقة كاملا ، قبل أن يعرف أنه سيحقق معه. واستغلال النفوذ هنا اقتصر فقط على علمه قبل غيره من المواطنين الفرنسيين بهذه الفرصة لكونه مسئولا، بينما لم تعرض هذه الفرصة  على الكافة بشكل متكافئ بما يتعارض مع القانون . الانتحار تم ليس لأنه سيحاكم وربما يعزل من منصبه، بل لأنه بسبب هذا الاتهام بات عرضة للاحتقار من قبل الرأى العام الفرنسى . ومغزى هذه القصة أن موقف الرأى العام والمواطنين فى أى بلد من الفساد هو أقوى من القانون،وأكبر وانجع الأسلحة فى مكافحته ومحاصرة أضراره، وربما تكون تلك هى المعضلة الحقيقية التى تواجه السلطة التنفيذية فى مصر وهى تخطو نحو  تنفيذ خطة اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد خلال أربعة أعوام بدأت من العام الماضى. والمعضلة هى أن الناس فى بلادى قد تعايشوا مع الفساد وألفوا طرقه وأساليبه على امتداد نحو خمسين عاما ، وتحديدا مع بداية عصر الانفتاح الاستهلاكى  فى سبعينيات القرن الماضى ، وفتح باب هجرة العمالة المصرية إلى دول الخليج على مصراعيه، وساهمت تلك السياسات  بدور هدام فى الحط من قيمة العمل المنتج  و،فى جعل الفساد نظاما مؤسسيا راسخا ،بتشجيع ثقافة الاستهلاك لدى المواطنين بما لا يتساوى مع دخولهم،فى نفس الوقت الذى أوقفت فيه الدولة سياسات التنمية ، فارتفع معدل جرائم السرقة والقتل بين الأرحام  من أجل الاستيلاء على شقة أو ميراث تافه أو حفنة جنيهات  لإشباع هذه الحاجات الاستهلاكية التى باتت هى الهدف الأول لكل شبكات الدعارة التى تم الكشف عنها،ولتلبية احتياجات الإدمان الذى تصاعدت ظاهرته مع البطالة، ووقف برامج التنمية وارتفاع معدلات الفقر والتهميش وتدهور الخدمات العامة بشكل مخيف مع تسارع سياسات الخصخصة التى غدت الباب الملكى لنهب المال العام  من قبل حفنة من المغامرين والافاقين والرأسماليين الطفيليين ،التى اهدرت  جهود المصريين وعناءهم فى بناء الصروح الصناعية والانتاجية العظمى على مدار عقود، وخاضوا فى سبيل تشييدها معارك كبرى ،مع قوى الاستعمار العالمى فى الخارج، والقوى المتحالفة معه فى الداخل.

باتت الرشوة هى سبيل المواطن الصالح لإنهاء مصالحه فى الادارات الحكومية،وأضحت هى المبرر لدى الموظف الحكومى لسد العجز فى راتبه الضعيف،خاصة مع غيبة العدالة فى توزيع الاجور والمكافآت والحوافز فى الجهاز الادارى للدولة، والمبالغات الاستهلاكية والشكلية فى الانفاق الحكومى وخاصة فى اداراته العليا ، ومع انتشار أساليب المحسوبية والواسطة والخواطر فى سياسة التعيين فى الجهاز الحكومى،وضعف القوانين وتضاربها، والتراخى فى تنفيذها لتعقب الفساد وتلافى أوجه الخلل فى الجهاز الادارى للدولة. كل هذه العوامل  التى أدت إلى ترهل الجهاز الحكومى و«عشعشة» الفساد فى إداراته ، لعبت مع غيرها دورا محوريا فى تقبل الناس للفساد والتعايش مع مظاهره، وعدم ازدراء من يقومون به، بل والبحث عن  مبررات لتبرئتهم. وأذكر حين تفجرت قضية توظيف الأموال التى سببت كوارث للاقتصاد الوطنى  ،وأضاعت  مئات المليارات من اموال المودعين ، أن سادت نغمة بين المتضررين من المودعين، أن الحكومة هى السبب فى هذه الكارثة ،وأنها لو أطلقت سراح موظفى تلك الأموال من السجون،لتمكنوا من انعاش السوق ورد الأموال إليهم، أى أن الخطأ لا يقع على من نصب عليهم ، بل على الجهة التى سعت –بعد تورط فاضح وبعد فوات الأوان - لإصلاحه.

 لكن الصدمة التى واجه بها الرأى العام قضية الفساد الأخيرة، بدت لى وعيا مغايرا لفكرة الاستنامة لمناخ الفساد، وذكرتنى بمسرحية «شكسبير «الشهيرة يوليوس» قيصر»حاكم الرومان الذى حقق لبلاده انتصارات عسكرية باهرة على أعدائها ،جعلته محطا للإعجاب، ومحلا لامتنان شعبه،  وساهمت فى اتساع شهرته، وجلبت له الغيرة والحسد من معاونيه، فاجتمعوا معا ،وساقوا لأنفسهم مبررات لاتفاقهم معا على التخلص منه وقتله،بدعوى أنه طاغية مستبد يستحق الموت ،بينما يعترفون بأن حقدهم عليه هو المبرر الحقيقى لذلك ، حين يتساءل أحدهم مستنكرا: لماذا اصبح اسم قيصر مقرونا باسم روما ، بينما هناك فى المدينة العديد من الشخصيات من أصحاب الكفاءات ، يستحقون الشكر والثناء و الشهرة لأنهم قاموا بخدمة بلدهم!

ولكى يضيع دمه بين الجميع، يتفق هؤلاء  المتآمرون  على ان يوجه كل منهم طعنة إلى  جسده، وحين يوشك قيصر ان يسقط مضرجا بدمائه،يلتفت لصاحب الطعنة  الأخيرة ، فيفاجأ بأنه «بروتس» أحد المقربين منه ،  الذى برر لنفسه المشاركة فى هذا العمل الخسيس  بخشيته « أن يزداد عظمة فيتطرف»،فينظر إليه قيصر عاتبا وهو يقول كلمته الشهيرة  «حتى أنت يابروتس « وكأنه لم يكن يصدق أن  يشارك من هو مثله  فى مؤامرة لاغتياله.

الصدمة التى اعترت الجميع عند الكشف عن قضية الفساد الأخيرة شبيهة بصدمة «قيصر»ولعل بعضنا قال مثله «حتى أنتم يا هؤلاء» يا من تنتمون لمعسكر ثلاثين من يونية. فالضجة التى أحاطت بعملية الكشف عن هذه القضية تحمل أكثر من رسالة بينها الردع ، والتأكيد الرسمى أن لا حصانة لأحد ممن يمارسون الفساد، واطلاق يد الأجهزة الرقابية بغير حدود لتعقبه. لكن الرسالة الأكثر وضوحا أن الفساد  يبدو أكثر تجذرا من فساد الماضى الذى يجرى التوقف عنده والتركيز عليه .ومع أن المصادفة وحدها هى التى جمعت بين الكشف عن هذه القضية ،وبدء حملة» حق الشهيد» الهجومية على فلول الإرهاب المتحصنة بتضاريس  سيناء،فإن تزامن الحدثين قد لا يخلو من معنى هو  إصرار القيادة السياسية على المضى قدما فى تنفيذ الخطة القومية لمكافحة الفساد الذى يعتبره الرئيس السيسى عن حق ، الوجه الآخر للإرهاب ،وهى معركة ضرورية لإيقاف الهدر فى المال العام ،تتطلب مساندة شعبية واسعة من المواطنين، توقف التواطؤ العام مع مرتكبيه، أو التسامح معهم ، والتحلى بالسلوك الايجابى، بالإبلاغ عن وقائعه.