رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

لا مبادئ ولا قيم، لا مواقف ثابتة، ولا غايات نهائية، لا مقدسات ولا مناطق محظورة، كُل شىء مُمكن فى السياسة التى استعاذ منها الإمام محمد عبده فاستغربنا مقولته ظانين أن السياسة هى اتخاذ مواقف والتمرس خلفها.

ما جرى فى كوبا قبل أيام يؤكد لنا أن كثيراً من الحروب تنشأ بسبب طموحات شخصية، وكثير من الدماء تُسفح فى سبيل شعارات لا تُغنى ولا تُسمن ولا تفيد.

لم يصدق سكان هافانا المُسنين مشهد العلم الأمريكى يرُفرف فى سماء بلادهم، وهُم مَن قاتلوا وحوصروا وشوهوا عقوداً لأنهم إرهابيون فى نظر القانون الأمريكى، لم يعودوا كذلك عند نظام العم سام، فالجار الشرير هداه الله وصار مُحباً للحياة، مُتعايشاً مع مَن حوله.

أما النظام الأمريكى الذى كانت الثورة الكوبية تراه رمزاً للشر ونموذجاً للاستغلال فقد تعافى وصار طيب القلب، مُحب للخير، بل إن الذين رفضوا إنشاء العلاقات مع الأمريكيين من المثقفين الكوبيين تم اعتقالهم بواسطة الشرطة باعتبارهم خارجين عن الإجماع ورافضين للصداقة مع الولايات المتحدة .

إذن فيم كان النزاع طوال العقود المنصرمة؟.. ومَن كان الجلاد ومَن الضحية؟.. ولمَ طارد الأمريكيون تشى جيفارا وقتلوه؟.. ولمَ حاصروا الدولة الصغيرة ووضعوها فى قائمة الدول الراعية للإرهاب؟.. ولماذا اعتبر كاسترو الولايات المتحدة راعياً للاستعمار؟

الدرس المُستفاد لنا معشر العرب مما جرى بين أمريكا وكوبا، وقبله بين أمريكا وإيران أنه لا عداء دائماً ولا سلام دائماً، لا توجد دولة شريرة وأخرى خيرة، وإنما تدور مصلحة كل دولة سلباً وإيجاباً مع مصالح غيرها من الدول فينشأ الصراع.

تعالوا نُعيد قراءة كُل ما علمونا إياه صغاراً من مبادئ ونشطبها بهدوء وروية، تعالوا نُعيد ترتيب عقولنا لنعرف خرائط مصالحنا بعيداً عن خطابات الأنظمة الضيقة، تعالوا نُفكر بلا حدود أو تابوهات فى علاقات بلادنا بغيرها من الأمم، فالشعوب تتغير والقواعد تتبدل والمفاهيم السياسية تخضع لإعادة صياغة.

تعالوا نشطب على كلمات غنيناها وراء عبدالحليم حافظ فى الزمن الناصرى بأن «ثورتك عارفة الطريق.. وعارفة مين يابا العدو ومين الصديق».

السياسة يا سادة هى فن المُمكن، ولعبة المُتاح، العداء الدائم خطيئة وضعف، اللجوء للحرب وحدها لا يحل قضية ولا يحسم أمراً، التهديدات وبيانات الشجب وخطابات التهديد لا تُحقق نصراً وإنما تُشيع خدراً لأناس يفرحون بالكلام ويصفقون للحناجر الزاعقة ولا يزنون أداء حُكامهم سوى بالحروف الغاضبة.

يقول الشاعر الجميل محمد الماغوط: «أمى العروبة/ وأبى النضال/ وأختى الوحدة/ وعمى الحياد الإيجابى/ وخالى عدم الانحياز/ وصهرى الصمود/ وعديلى التصدى/ وجدى الدفاع المشترك/ وأطلب الخروج من هذه الفوضى فلا أسمع غير الكلام».

وأنا أقول لكم: وداعاً للشعارات ووداعاً لحروب الكلام، هذا زمن لا تخدم فيه الأوطان إلا بالعلم والعقل.. والله أعلم.

[email protected]