رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

 

 

وضع الافتتاح الأسطورى لقناة السويس الجديدة أمس الأول الخميس ، التى عدها الرئيس السيسى الخطوة الأولى فى الألف خطوة التى  يتعين على المصريين قطعها للقفز نحو المستقبل،مدينة السويس من جديد تحت دائرة الضوء، هذه المدينة الأسطورية التى تغنت بحبها ومآثرها وبطولاتها  وصمودها فى وجه الطغاة والغزاة ،الأجيال المتعاقبة . فى حب السويس ، تنافس الملوك والأمراء، الصعاليك والعظماء، شهدت أحزانا لا تعد، وأفراحا لا تحصى. تحفظ شوارع السويس قصص السماسرة والتجار ، الشرفاء والخونة ، لصوص الكامبات والمقاتلين من أجل بسمة الغد. فى حواريها  وشوارعها آثار أقدام الزمن: نابليون بونابرت.. أفندينا محمد على .. الخواجة ديليسبس.. الأمبراطورة أوجنى.. عرابى الفارس وسعد زغلول المقاتل. دخلت السويس أحلام تشرشل وإيدن، وعانى منها جنرالات إسرائيل.

فى ديسمبر عام 1798 وصل إليها الجيش الفرنسى لاحتلالها، وطبق غزاة الحرية والعدالة والمساواة شعاراتهم أصدق تطبيق حين نهبوا المدينة ، ودمروها، واستولوا على أرزاق الناس بقوة السلاح ، ونقلوا المؤن والوقود إلى مستودعات الجيش الفرنسى ، لكن المدينة التى حاربت الطبيعة وتحملت قسوتها لم تكن على استعداد أن تسلم دون أن تثخن قوات الغزو بالجراح ، فانضم أهلها إلى الحاكم المملوكى وقاوموا جنود الغزو حتى آخر رمق.

وعندما تجمع العمال المصريون ليبدأوا حفر قناة السويس، تجمعت عليهم الكوارث من كل نوع ولون، فبجانب معاناتهم من أهوال أزمة مياه الشرب ، حيث المياه العذبة لم تكن تصل إلى المدينة إلا على ظهر الجمال من عيون موسى ،و كانت تبعد عن السويس 16 كيلومترا، قبل أن تصل ترعة الإسماعلية  العذبة التى تخرج من النيل مباشرة إلى السويس، جاءت الأوبئة  التى عصفت بحياة العمال بلا هوادة أو شفقة ، فضلا عن ،سخرة العمل والإرهاق فيه، والضرب بالكرباج، والزج بهم فى السجون، مما أدى إلى موت نحو 120 ألف عامل من بينهم ‘على امتداد السنوات العشر التى حفروا فيها القناة، وعبدوها بدمائهم لتصبح ميناء دوليا، يأكل الأجانب من خيرها ، ويقطنون أفضل الأماكن بها ،فيما إنسحب الأهالى  إلى أحياء السويس الفقيرة.

وحين تسقط السويس تحت براثن ضربات أسطول الغزو البريطانى أثناء الثورة العرابية، يقاوم أهلها قوات الغزو مقاومة عنيفة ، وينضم محافظها إلى الثوار العرابيين، وبعد أن تمكنت  القوات البريطانية من احتلال السويس، ردمت القوات المصرية المقاومة  ترعة الإسماعيلية لمنع وصول الماء العذب إلى القوات الغازية ، وقطعت الطريق البرى الذى كان يربط السويس بالعاصمة، وفيما بعد فتحت المدينة أبوابها لاستقبال عرابى منفيا إلى سيلان ، وبعد عشرين عاما  تعود لتستقبله عائدا من المنفى ، كما قدر لها أن تودع سعد زغلول ورفاقه إلى المنفى فى جزيرة سيشيل، وأن تستقبلهم عائدين منها وبينهم مصطفى النحاس، بعد أن كانت قد أعلنت ،ككل المدن المصرية ،اختيار الموت الزؤام دفاعا عن استقلال مصر التام .

صفحات حافلة بالكبرياء والعذاب والمقاومة ، انطوى عليها تاريخ مدينة السويس . ففى أعقاب توقيع معاهدة 1936 ، ترحل قوات الاحتلال البريطانى من كل المدن المصرية، للتمركز فى قاعدة عسكرية فى السويس ، وتشيد من أجل ذلك الطرق التى تربط المدينة بكل المدن المصرية الأخرى، والتى عرفت باسم طرق المعاهدة، وآنذاك يتمرس أهل السويس ، ويصبحون أكثر الناس معرفة وبمداخل ومخارج القاعدة البريطانية، و أماكن محتوياتها من الأغذية ومخازن السلاح والذخيرة، مما ساعد المجموعات التى تشكلت فى المدينة واحترفت سرقة السلاح من معسكرات جيش الاحتلال ، لتزويد المقاومين له بها .

وفى 8 أكتوبر عام 1951 يعلن مصطفى النحاس من تحت قبة البرلمان الغاء معاهدة 1936 قائلا: من أجل مصر وقعت معاهدة 1936، ومن أجل مصر أقوم اليوم بإلغائها. وعلى إثر إلغاء المعاهدة ، بدأت السويس ملحمة جديدة فى نضالها ضد قوات الاحتلال، فامتنع السائقون عن نقل الجنود البريطانيين، ورفضوا تزويد قطاراتهم بما يلزم إعدادها للسير، كما رفض عمال الميناء شحن وتفريغ حمولات السفن البريطانية  فتراكمت اعدادها على كل ثغور القناة ، وانسحب من معسكرات الإنجليز ما يزيد علي 60 ألفا من العمال كانوا كلهم فقراء لايملكون  سوى هذا العمل، لكنهم فضلوا الجوع عن أكل لقمة المحتل الغاصب . تحولت السويس إلى ساحة حرب  لمواجهة صلف وغرور وفاشية قوات الاحتلال البريطانى ،وكانت الانتفاضات المتوالية لفدائييها، والهجمات التى شنوها على معسكرات الاحتلال هى التى مكنت ثورة يوليو من  إجبار  بريطانيا على توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954 . وما كادت القوات البريطانية ترحل عن مصر، حتى عادت إليها بعد تأميم القناة عام 1956غازية، فتشكلت المقاومة الشعبية فى المدينة لصد العدوان ، فيما اطلقت قوات السواحل المصرية مدفعيتها الثقيلة لتغرق قطعا بحرية وحاملة جنود بريطانيتين، وتمنع القوات الفرنسية والبريطانية من الاقتراب من شواطئ السويس.

وبعد 5يونيو  1967 ، تعد مدينة السويس لتكون أحد خطوط  رفض الهزيمة ، وتتحمل السويس نصيبها من تبعات المقاومة ، فيشن الإسرائليون هجوما شرسا على مصانع البترول بها فى مجمع الزيتية، انتقاما لهزيمتهم البحرية بعد اغراق المدمرة إيلات .وتبدأ نحو 80 ألف اسرة منها فى الهجرة منها إلى المدن المجاورة.

رفضت مدينة السويس العنيدة فى عام 1973 إنذارا إسرائيليا بالتسليم أو ضربها بالطيران ، وقاومت ببسالة كل محاولات الاستيلاء عليها ، وتصدت للدبابات والمدرعات  الإسرائيلية التى اقتحمت المدينة،وأجبرتها على التقهقر للخلف ، كما خاضت المدينة حرب شوارع حقيقية ، تمكنت خلالها أن توجه جزءا من المقاومة الشعبية ،فى اتجاه منع سقوط المدينة فى أيدى الإسرائيليين، وتوجيه الجزء الثانى لإفشال حصارهم للجيش الثالث بمده بالمياه والاغذية والاحتياجات الأخرى .

ولاشك أن هذا التاريخ التليد لمدينة السويس الشجاعة الباسلة ، كان ينظر بعين الرضا  والاعجاب لما فعله احفادها فى حفل افتتاح  قناة السويس الجديدة ، الذى تم بتنظيم بالغ الدقة والأناقة والذوق الرفيع ، وتناغم مع الرسائل التى بعث بها الرئيس السيسى فى خطابه  إلى مصر والعالم: أن الشعب المصرى يستعيد الثقة فى نفسه ، وأنه إذا أراد فعل ، وتغلب على أصعب الظروف التى واجه فيها حرب إرهاب تخريبية، لاتقل عنفا عن حرب إعلامية مماثلة, أنجز بأمواله وجهد أبنائه هذا المشروع. ,ان الشعب المصرى قادر بوحدة الصف والالتفاف حول قيادته على مواصلة تحقيق اهدافه مهما زادت  الصعوبات. وأن الإرهاب ومن يساعده على مواصلة تخريبه  سوف يهزم مهما طالت الحرب معه، وأن مصر تنوب عن المنطقة والعالم فى صد موجاته المتوحشة ، وقد بات على  دول العالم أن تدرك أنه خطر يهدد البشرية كلها. ويبقى قبل ذلك وبعده ، ما ينطوى جوهر رسالة الاحتفال ،وهو أن فى مصر نظاما مستقرا ، وشعبا يلتف حول قيادته، وبلدا  متوثبا قادر اعلى العمل والانجاز، وأن كل محاولة تسعى  لتعويق المصريين عن بلوغ أهدافهم ستبؤ بالفشل، وأن هزيمة تلك المخططات رهين بالجهد الشاق والمثابرة على العمل المنتج، والبدء الآن وليس غدا فى الخطوة البنائية  الثانية لتحقيق أحلام ما  بعد الافتتاح.