رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صيادون: مراكبنا كل حياتنا.. وقلة أسماك النيل أكبر مشاكلنا

مركب ف النيل
مركب ف النيل

 

 

الحياة فى الجنة، لها مظاهر أخبر القرآن الكريم عن بعضها، ومن بينها أن الأنهار تجرى من تحت أهل الجنة..

فى مصر مَن تجرى الأنهار من تحتهم، ومع ذلك فإن حياتهم خليط من الشقاء والسعادة.. البسمة والألم.. الستر والفقر..
 

منازلهم، وعملهم، ومصدر دخلهم، شىء  واحد، وهو مركب صغير، وشبكة صيد.. يجوبون النيل بمراكبهم ويلقون شباكهم وينتظرون ما يجود به النيل..

وبعضهم جعل من مركبه وسيلة ترفيه خلال رحلات نيلية تتواصل ليلاً ونهاراً..

ولكل فريق منهما حكايته وأمله وألمه.
 

على ضفاف النيل بمنطقة الوراق، يستيقظ محمد محسن - صياد - فجر كل يوم ليسعى على رزقه، مستعيناً بمركب صغير وشبكة يلقى بها بين أحضان النيل وينتظر ما سيفيض به النيل من خيراته..
 

وبعد ساعات من إلقاء الشباك، يبدأ فى جنى ما أفاض به النيل ويذهب لبيعه فى السوق..
 

يقول محمد: «عمرى 35 عاماً، وقبل 6 سنوات تركت زوجتى وأبنائى فى الدلنجات بالبحيرة، وجئت إلى الوراق وسكنت بجوار النيل فى غرفة مشتركة مع بعض العمال، ورغم أننى حاصل على دبلوم صناعى، فإنه فور وصولى إلى القاهرة أحببت مهنة الصيد وبدأت أتعلمها، ويوماً بعد آخر تعلمت الصيد وفهمت أسراره، فاشتريت مركباً صغيراً لاصطاد به وأبيع ما أصطاده فى السوق مباشرة لأن معظم الناس بتحب السمك الصابح وليس المجمد».
 

ويضيف: «النيل ساعات يجود بكمية كبيرة من الأسماك وساعات أخرى لا يعطينا إلا القليل.. وكله رزق.. ولكن فى الفترة الأخيرة السمك صار قليلاً بسبب قلة الزريعة وهى أساس زيادة أعداد السمك ولا نعلم الأسباب الحقيقية لقلتها».
 

وتابع: مهنة الصيد لا يمتهنها حالياً سوى عدد قليل لقلة مكسبها، ومعظم الأسماك فى الأسواق مصدرها المزارع السمكية، وتلك المزارع مهمة لتغطية احتياجات عدد السكان الكبير.صيادون: مراكبنا كل حياتنا.. وقلة أسماك النيل أكبر مشاكلنا
 

وعن أمنياته، قال «محمد» أتمنى أن تصبح مهنة الصيد فى أفضل حال لأنها مهنة مصيرية لآلاف الأسر فى كل محافظات مصر، وأتمنى أيضا أن يكون هناك دعم قوى للصيادين وأن تكون هناك على الأقل نقابة تضمهم ويكون لهم بعض الحقوق لأن الصياد كما يقول عامل «أرزقى» وليس موظفاً.
 

«زين على»، بطل حكاية أخرى من حكايات الصيادين.. «زين» فى أوائل العشرينات من عمره، ترك مسقط رأسه، بمحافظة المنوفية قبل 5 سنوات، وجاء للقاهرة للعمل وبعد امتهانه لمهن عديدة، وجد ضالته فى مهنة الصيد، ولكنه يقابل مشاكل كثيرة بسبب تلك المهنة التى أحبها.. أولى تلك المشكلات – كما يقول- إنها تعتمد على وما يجود به النيل فأحياناً لا تخرج شبكته بسمكة واحدة وأحياناً يصطاد كميات كبيرة من الأسماك.. يقول «زين»: الصيد يعتمد على منسوب مياه النيل، مشيراً إلى أنه يبيع ما يصطاده من سمك البلطى فى السوق لبعض التجار بسعر 17 جنيهاً للكيلو».
الريس عبدالحميد

وقال: أكثر أنواع أسماك النيل شهرة هو «البلطى» وهو الأكثر انتشاراً وشعبية، ولا توجد فى النيل أسماك كبيرة، والبلطى الذى يخرج من النيل لا يتجاوز وزنه 200 جرام، وما يزيد على هذا الوزن فى السوق يكون سمك مزارع سمكية، حيث تزن السمكة فى المزارع أكثر من نصف كيلوجرام.
 

وفى جولة للوفد فى الوراق التقينا «عم عبدالله السيد»- صياد - تجاوز عمره خمسين عاماً وما زال يعمل بمهنة الصيد، ويعيش هو وزوجته وأولاده بالقرب من النيل، وحكايته مع النيل والصيد بدأت منذ زمن بعيد، حيث ورث الصيد عن والده وجده اللذين احترفا الصيد فى بحيرة قارون، ولكنه فضل الصيد فى نيل الوراق.. وقال: «أحب هذه المهنة وأعشق النيل وأقضى فيه معظم ساعات اليوم».
 

وأضاف: «مهنة الصيد لها مميزات وعيوب مثل أى مهنة ومن مميزاتها أنها أحياناً تعطيك خيراً كثيراً من كل أنواع الأسماك، أغلبها يكون البلطى، ونتعلم من الصيد الصبر والاعتماد على النفس والسعى والاجتهاد والتعاون مع الزملاء الصيادين، ومن عيوبها أنها مهنة غير مستقرة فأحياناً أجلس بالأيام ولا أحصل على أى سمكة، وهذا هو الرزق، ولكن دائماً أسعى وأكبر مشكلة تواجه الصياد هى قلة السمك ففى الفترة الأخيرة قلت أعداد الأسماك بشكل كبير بسبب قلة الزريعة، وكل ما نتمناه هو النظر إلى حالتنا فمصدر رزقنا ودخلنا الوحيد من مهنة الصيد».
 

 وأشار عم عبدالله إلى أنه يخرج إلى العمل على المركب بمساعدة ابنه «محمد» الذى يتولى حمل ما يتم صيده من سمك ويبيعه إلى أحد التجار مقابل 20 جنيهاً لكيلو السمك البلطى.
 

< البلطى="" أشهر="" ما="" يجود="" به="" النهر="" الخالد..="" ونبيع="" الكيلو="" للتجار="" بـ17="">

< مراكبية:="" نعشق="" النيل..="" والحياة="" فوق="" المياه..="" حاجة="">

< بعض="" أصحاب="" المراكب="" يستعينون="" براقصات="" لجذب="" الزبائن..="" وبعضهم="" يتجاوز="" الحد="" الأقصى="">

المراكبى
 

ليس كل من يعملون فوق مياه النيل، صيادون، فمع انتعاش المواسم السياحية، وزيادة الفسح والرحلات داخل القاهرة، انتشرت مهنة مراكبى، وصارت الرحلات النيلية تستهوى الكثير من السياح والمصريين أيضاً.. عباس محمود صاحب مركب رحلات نيلية.. يقول: «جئت للقاهرة منذ أكثر من 15 سنة، وقبلها كنت أعمل مزارع فى مركب زاللينا بمحافظة سوهاج، وتركت كل هذا لأعيش داخل مركبى بسبب حبى للنيل ووجدت نفسى داخله وأحببت عملى جداً وأصبح المركب هو كل حياتى خاصة وأن أولادى وزوجتى لا يزالون فى سوهاج وكل موسم أذهب إليهم، وبدأت حكايتى مع النيل عن طريق أحد أقاربى الذى كان يستأجر مركباً نيلياً للرحلات ونصحنى بالذهاب إلى القاهرة والعمل بهذه المهنة وفى ذلك الوقت كانت السياحة منتعشة، فعملت بنصيحته وجئت إلى القاهرة، وعملت على مركب وبعد 5 سنوات، اشتريت مركباً، وأصبح النيل كل حياتى وأجلس معظم الوقت داخل المركب حتى فى أوقات الشتاء القارس، فكل حياتى داخل المركب، وأحمل فى مركبى كل الأدوات الأساسية، مثل بوتوجاز صغير جداً واحد شعلة لعمل الشاى وبعض الطعام

البسيط مثل البيض والفول».
 

ويضيف: «أطلقت على مركبى اسم «حورس» لأن السياح الأجانب والعرب يحبون الأسماء الفرعونية، مشيراً إلى أنه يحرص على تشغيل الأغانى الشعبية خلال رحلاته النيلية، وأحياناً أغانى الشيخ «ياسين التهامى».
 

وعن أسعار المراكب قال: «سعر المركب الآن يتخطى 200 ألف جنيه للمركب الواحد، ونقوم بترخيصها ثم تحصل على رقم للوقوف على الكورنيش ويتم التحميل بالدور والرحلة النيلية تبدأ من كورنيش النيل بماسبيرو إلى جامعة القاهرة وسعرها يتراوح من 15 إلى 20 جنيهاً وتتخطى حمولة المركب الواحد 30 فرداً، وهى فسحة جميلة ورخيصة للمواطنين وللسياح مقارنة بوسائل الترفيه الأخرى».
 

وأضاف: «السياحة فى الفترة الأخيرة بدأت تعود بشكل ملحوظ وأصبح هناك عمل جيد بفضل الأمن والأمان داخل البلاد وهناك تنسيق وتعاون بين جميع المراكب حتى لا يحدث أى خلاف فى النهر، لأن «النيل مصدر دخل لكل زمايلى وأيضاً لمهن أخرى مثل الصيادين وغيرها فيجب احترامه».
 

وعن طقوس العمل داخل النيل قال: «أهم شىء هو إحساس الزبون بالأمان والراحة النفسية أثناء الرحلة النيلية رغم بساطتها إلا أنها تفرق كثيراً، ومن المهم أن يكون المركب منظم ونظيف وهناك مشروبات ساخنة وباردة، نقدمها للركاب وهناك بعض المراكب تلجأ أصحابها إلى أساليب لا أفضلها وهى استئجار بنات للرقص لجذب الشباب، ويتم ذلك فى الأعياد لأن معظم الزبائن يكونون من صغار السن وبعض المراكبية أيضاً يقومون بزيادة حمولة المركب مما يهدد الركاب بالخطر».
 

واختتم الرجل الخمسينى حديثه مؤكداً أنه يتمنى أن يظل بقية حياته داخل النيل ولا يفارقه لأنه أصبح جزءاً من حياته اليومية.
 

وعلى بعد لحظات من مركب عم عباس يجلس الريس عبدالحميد صاحب لقب «ابن النيل».. ويقول إنه بدأ حياته صياداً ورث مهنة الصيد عن والده الذى كان يعمل صياداً بنيل القاهرة ولكن مع ازدهار السياحة قبل حوالى 20 عاماً اشترى والده مركباً وبعد وفاته ورث «الريس عبدالحميد» مهنة المركب النيلى وطورها واشترى للمركب موتوراً جديداً يتخطى ثمنه 15 ألف جنيه ليعمل بشكل جيد، وعن سر حبه للنيل ضحك قائلاً: «النيل حياتى، ومصدر رزقى فأنا من أسيوط وجئت للقاهرة مع اسرتى وأجلس طوال اليوم داخل المركب وأستمتع بشغلى جداً، وحينما أحزن أو أغضب أشتكى للنيل لأنه بقى جزء منى».
 

وأكمل «الريس عبدالحميد» حديثه أنه قام بتزويج أبنائه وتعليمهم من هذه المهنة، والمراكب فى مصر عدة أنوع منها الشراعية والفلوكة والموتور واللانش السريع واليخت، ولكن الشراعية أصبحت أقل، والغالبية العظمى حاليا مركب موتور ولانش سريع.. وقال: «عملى يبدأ من الساعة 8 صباحاً بتجهيز المركب وصيانة الموتور ثم تنظيفه وتنظيف المقاعد للزبائن، ثم أدخل فى الدور للتحميل وفى الفترات المسائية يكون العمل أكثر من فترات الصباح لأن معظم الناس تحب جو الرحلة النيلية فى الليل، وفترات الضغط تكون فى ليل رمضان وفى الأعياد الفسحة محببة للجميع والمراكب تمنح جواً من البهجة والسرور لمن يركبها، خاصة أنها بعيدة عن ضغط الشارع والزحام المرورى الخانق».

وواصل: معظم السياح يتعلقون جداً بالنيل، والرحلة تستمر حوالى نصف ساعة بين أحضان النيل، وهى قادرة على تغيير المزاج 180 درجة، وهذا هو سر حبنا لمهنتنا فهى بعيدة عن زخم الحياة فى البر ومشاكلها وتعطيك الأمل والتفاؤل.
 

وفى أثناء مرورنا بكورنيش النيل.. التقيت أحمد سلام ابن الخامسة والعشرين ربيعاً، كان يجهز مركبه من أجل البدء بجولة ورحلة نيلية للزبائن وقال إنه استأجر المركب من أجل العمل عليها بعد مجيئه من محافظة أسيوط، وتعلم المهنة والوقوف على المركب من أحد أصدقائه منذ 5 سنوات.
 

وأضاف أحب هذه المهنة ولكن أبرز أزماتها قلة الزبائن وعدم لجوء كثير من الناس إلى الرحلات النيلية، مطالباً بمزيد من الاهتمام بأصحاب المراكب ودعمهم فهم واجهة سياحية جميلة ورخيصة الثمن للمصريين والأجانب.