"طيارين التوصيل" بين سندان البطالة ومطرقة شركات الشحن
خرجوا من طابور الانتظار للحصول على وظيفة تليق بدراستهم، تاركين قطار البطالة يسير لنهاية مجهولة، ليلتحقوا بقطار العمل ظانين أنهم سيرسمون ملامح واقع جديد خارج التخصص يلبي متطلبات الحياة ويرسخ أقدام الاستقرار، إنهم مندوبو الشحن أو ما يعرفون بـ"طيارين التوصيل".
إقرأ أيضا: (فيديو) خبير يكشف تفاصيل وثيقة تأمين رعاية المسافر وأهميتها للمواطنين
لكن الواقع كان له تدابير أخرى جلعت هؤلاء الشباب أمام منحني ينال من صحتهم ويرمي بهم في دروب البطالة مرة أخرى لكن هذه المرة مقيدين.
طيارين توصيل
مندوبو الشحن أو ما يعرفون بـ"طيارين التوصيل" شباب خرجوا من عباءة البطالة للعمل في شركات شحن لتوصيل الطلبات للمنازل أو مقارات العمل، لكن مع تعرضهم لكثير من الحوادث على الطرقات خاصة وأنهم يستقلون درجات نارية جعل بعضهم يضعون شرائح معدنية داخل جسدهم، وأخرين أصبحوا ماكثين على الفراش لتلقي العلاج.
ظهرت مهنة مدوبو الشحن وبكثرة مع بدء انتشار ما يعرف الـ"بيع أون لاين" عبر صفحات التواصل الإجتماعي " فيس بوك-توتير-تليجرام- واتس أب"، وهو مع انتشر معه مكاتب الشحن بعضها مرخص والاغلبية تعمل في الخفاء.
مكاتب الشحن
في كل شارع وحارة تجد مكتب شحن يعمل معه العديد من الشباب سواء بمرتب شهري، وأخرين يضعون نظام أخر وهو العمل بواسطة عمولة على كل أوردر بمعني أتنه لو شحن الاوردر 50 جنيه يتقاسم مكتب الشحن مع المندوب المبلغ.
ورغم أن الدولة في عصر الرئيس السيسي طالت كل شيء ووضعت لها قوانين تنظيمية إلا أن شركات ومكاتب الشحن التي تدير دخلا كبير بعيدا كل البعد عن وضع قانون لضمان علاقتها بالدولة والعامل لديها.
كثيرا من مكاتب الشحن وليس كلها تقوم بالنصب على العاملين في مجال " أون لاين" عن طريق إيهامهم بتوفير خدمة الشحن، لكن المفاجئة يتعرضون لعمليات إحتيال من خلال رفض دفع قابل الشحنات أو استثمار أموال الغير بدون مقابل.
ولأنه لاتوجد هناك ما يفيد بإرسال بائع الأون لاين بضاعته لمكتب الشحن فهذه النقطة غالبا ما يستغلونها أصحاب مكاتب الشحن لصالحهم، غير مشكلات كثيرة تقع بينهما، ليجد بائع الأون لاين نفسه لايملك سند بأنه ترك بضاعته لمكتب الشحن.
حكايات من واقع العمل مع مكاتب وشركات الشحن غير المرخصة يرويها بعض الشباب العالمين كمندوبين شحن "طيارين".
مندوبون يحكون معاناتهم
حسين منصور شاب تخرج من كلية تجارة من محافظة أسيوط عمل في إحدى شركات الشحن بمنطقة الدقي لمدة تزيد عن سنة عند أول مشكلة وقع فيها تخلت عنه الشركة ورفضت عمله معها.
وحسب حسين أنه تعرض حادث انقلاب بدراجة نارية عند توصيله لإحدى الشحنات" أوردر"، وعلى إثرها قام بتركيب "شرائح معدنية" في قدمه، وظل جالسا بالمنزل قرابة الشهر دون دخل أو نظرة من الشركة التي أدار لها دخلا ليس بقليل.
وقال، إنه قام بالاتصال بأحد أصدقائه العاملين معه في الشركة ليبلغ صاحبها بأنه في حاجة ماسة لمبلغ يكفية للعلاج، لكن دون جدوى، فقرر ترك الشركة واستلام أوراقه التي بينها إيصال أمانة بعشرة ألاف جنيها.
وأضاف أنه منذ أن قام من مرقده وشفي لم يفكر ولو لحظة في العمل مع مكاتب وشركات الشحن مرة أخرى، وقام باستئجار "توك توك" للعمل عليه مقابل مبلغ مالي يتم دفع لصاحبه أخر اليوم.
وتابع:" معظم مكاتب وشركات الشحن لم تضمن أية حقوق للعامل معها، وتتركه حال تعرضة لأية مصيبة".
إبراهيم محمد شاب يبلغ من العمر 25عاما يعمل لدى شركة شحن حكى قصته التي وصفها بأنها مريرة، حيث قال أنه بحث عن فرصة عمل في كثير من الأمكان، لكن دون جدوى، ما جعله يعمل في شركة شحن بمنطقة الدقي ويتقاضى مرتب شهري 2000جنيها فقط.
وعندما طلب إبراهيم من صاحب الشركة زيادة مرتبة، نهره وقال له :"لو عاوز تمشي اتفضل".
وحكى إبراهيم أنه تعرض منذ الأسبوع الماضي لحادث سير أثناء عمله وعلى إثرها تم حبسه عدة أيام، ولم تقوم الشركة بتولي المصروفات التي قام والده بدفعها.
أما محمد محرم شباب يعمل بأحدى شركات الشحن بالقليوبية، قال أنه يتعرض للكثير من المشكلات ثناء عمله في مهنة مندوبي الشحن، منها تعرضه لحادث هشم على إثره دراجته النارية، وقام بتركيب شرائح في جسمه دون تدخل من الشركة حتى ولو بالسؤال عليه، ما اضطره تركها.
وأضاف محرم، أن كثير من الشباب يضطرون العمل في شركات ومكاتب الشحن بسبب عدم وجود وظيفة تضمن لهم مستقبلهم، ويتعرضون لحوادث، لكن مجبرين على مواصلة العمل.
وتابع: شركات ومكاتب الشحن تكتسب مالا يقل عن 5ألاف جنيها في اليوم الواحد بل يزيد، ورغم ذلك لاينظرون إلا جني الأموال تركين العاملين معهم".
واردف، أنه طلب من صاحب مكتب الشحن مبلغ من المال لإصلاح دراجته النارية، ليرد عليه بالرفض"، مطالبا الدولة بضرورة تقنين أوضاع تلك المكاتب والشركات، لاسترجاع حقوق الدولة.
عبد الغفور محرم عامل بإحدى شركات الشحن، قال أنه تعرض لعملية سرقة أثناء أداء صلاة الظهر بإحدى المساجد وعلى إثر ذلك تم سرقة 27ألف جنيها كلها تحصيل لشركة الشحن، ورغم أنه قدم أدلة السرقة إلا أن الشركة لم ترحمه وطالبته بدفع المبلغ.
واضاف محرم، أن شركات الشحن تحتاج لقانون لتنظيمها وضمان حقوق العاملين بها، حيث أن معظمها غير مرخص ويقوم بالنصب على البائعين أون لاين، ويرمون العاملين معهم دون رحمة ولا شفقة.
العمل بالعمولة
وكان لأصحاب الشركات رأي أخر، قال محمد مجدي صاحب مكتب شحن بمنطقة الدقي، إن منذ بداية عمله وضع ضوابط للعمل حيث أنه قام بعمل إعلان لطلب مندوبين شحن، وعند المقابلة معهم عرض عليهم العمل بالعمولة بعضهم رفض وأخرين قبلوا العمل معنا.
وعند سؤال عن عدم تخصيص مرتب شهري للعاملين، قال :" لو تم تخصيص مرتب شهري للعامل لم يقوم بتأدية عمله على كمل وجه، لأنه مطمئن بالراتب الشهري، لكن عند العرض بالعمل بعمولة يجتهد وكل ما يشتغل أكثر يحصل عمولات أكثر".
مش عاوزين نفتع العيون علينا
وعند عدم توفير الشركة صندوق مخاطر حال تعرض العاملين لحوادث سير، قال إحنا شركة وليد حاليا مش عاوزين نفتع العيون علينا والضرائب تيجي ومكتب العمل مش عاوز دوشة".
ومن جانبه قال باسم فاضل صاحب مكتب شحن بترسة بمنطقة الهرم، إن توفير مظلة تأمينية للعاملين معه تحتاج أموال كثيرة في ظل عمل غير مستقر، بمعني يعتمد على حركة البثيع والشراء".
وأضاف فاضل، أنه تأتي عليه أيام لايوجد هناك عمل لان حركة البيع ضعيفة، وهو ما يجعله لم يخصص مرتب شهري للعاملين معه، وفضل العمولة على كل شحنه.
وحول ما تقدمه حال تعرض العامل لحادث سير؟، قال، إن المكتب غير مسئول عن أخطاء الأخرين.
وتابع:" معظم مكاتب الشحن التي تتدعى أنها مرخصة لا تقدم مظلة تأمينية لأي أحد من العاملين معها لانها تعرف إمكانية الغلق في أي وقت، لان شغلنا حسب الرزق".
حركة البيع غير مستقرة
محمد عمر صاحب مكتب شحن ببولاق الدكرور، قال أنه يعمل هو وأصدقائه في المكتب ولا يوجد أحد معهم يعمل بعمولة ولا مرتب شهري، مؤكدا أنه العمل في شحن رغم صعوبته يحتاج لشاب فاهم وغير متهور على الطريق.
وحول ما إذا كان يريد ترخيص مكتبه، قال، إنه لايرغب في ذلك، لأن المطلوب من تراخيص وضرائب لايجنها، معللا ذلك بأن حركة البيع والشراء غير مستقرة.