رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ابتسامة في سجن النساء

دفعتني الظروف الي القيام بزيارة احدي النزيلات نسجن النساء بالقناطر الخيرية وقد استرجعت ذكرياتي في الطريق الي السجن عندما كنت أزور أحد الاصدقاء في طرة وعندما حللت ضيفاً علي سجن الاستئناف بالقاهرة لمدة خمسة وعشرين يوماً منذ زمن بعيد. اصطحبني شريط الذكريات المؤلمة والمشاهد المروعة التي لا تستطيع أن تبرح مخيلتي رغم مرور وقت طويل عليها.. قد يكون ذلك لشعوري بظلم فادح وقع علي وبسبب موقف اتخذته وكنت ومازلت مؤمناً به.. والايمان بهذه الرؤي والمواقف هو الذي يخفف علي المرء كل غبن وظلم.. كانت قدماي تتثاقلان أمام بوابة السجن والذكريات القديمة عن السجون تصارع قيامي بهذه الزيارة لكن الواجب انتصر علي مشاعري وعلي أية مواقف سلبية فيما مضي من الزمان داخل سجون مصر.

المفاجأة الاولي لي منذ دخولي بوابة سجن النساء كانت الابتسامة تعلو وجوه المستقبلين للزائرين فبددت علي الفور شريط الذكريات المؤلمة القديمة ويطلبون برفق حسن المعاملة والامتثال للقواعد المعمول بها وبدون عصبية أو ارتفاع صوت كما رأيته وعشته من زمن طويل.. وكانت في السجون عادة سخيفة تقوم بها مع الزائرين وهي «ختم» أحد الكفين أو الذراعين واكتشفت انه تم الغاء هذه العادة لانها تشبه توقيع عقاب للزائر.. وفي الطريق من البوابة الي مكان الزيارة تجد من يرشدك ويأخذ بيديك الي الاسترحة المخصصة للقاء من تريد زيارته.. في مكان واسع تقع به استراحة مجهزة للقاء النزيلات بالزائرين والمدة كافية جداً بين الطرفين علي خلاف ما كانت تشهده السجون من ذي قبل عندما كانت هناك حواجز بين النزيل أو النزيلة والزائر بالاضافة الي أن المدة كانت قليلة جداً وتسمع أصواتاً كزئير الاسود تطالب الزائرين بالانصراف فوراً وإلا...
أدركت علي الفور أن فلسفة العقاب المفروضة علي السجناء قد تغيرت تماماً وأن هناك تطوراً ملحوظاً تقوم به مصلحة السجون في الشكل والمضمون وأن معاملة المسجونين مهمة جداً وأن شعار السجن تهذيب وإصلاح يتحقق بما يحفظ للنزيل كرامته وحقوقه الآدمية وهو ما كنت قد ناديت به من قبل بضرورة تغيير فلسفة معاملة المسجونين بما يضمن أن يخرج النزيل من السجن من غير أن يصاب بأمراض نفسية قد تعيده مرة أخري الي السجن.. وكلنا يعلم تماماً أن كثيرين خرجوا من السجون قبل تطبيق الفلسفة الجديدة وعادوا اليها مرة أخري لانهم اكتسبوا مهارات جديدة تفوق ما ارتكبوه من جرائم بسبب سياسة العقاب القديمة التي تم اتباعها لزمن طويل في السجون المصرية.. وقد تحدثت آراء كثيرة بكثرة بهذا الشأن وتؤكد كل الشواهد

التي رأيتها أن وزارة الداخلية تستجيب بدليل ما شاهدته في سجن النساء بالقناطر الخيرية.
في نهاية زيارتي للسجن شاهدت رجلاً تجوب عيناه المكان ويتحرك يميناً ويساراً ويجيب عن أسئلة هذا ويسأل ذاك وكله همة ونشاط ودفعني الفضول الصحفي أن ألتقي به وقدمت له نفسي وعرفت انه معتز سليمان رئيس مباحث السجن وكانت المفاجأة لي انه «زعلان وواخد علي خاطره من جريدة الوفد» لانها نشرت موضوعاً منذ حوالي سنة عن السجن فاعتذرت له عن أية معلومات قد تكون وردت دون تدقيق في الموضوع.. وبادرته علي الفور بسؤال مهم وهو هل هناك تغيير في فلسفة العقاب داخل السجون أم أن هذه حالة استثنائية؟!.. فكان الرد علي الفور لم أكن أعلم انك ستقوم بهذه الزيارة ولقائي بك جاء صدفة ثم ان مسلحة السجون تقوم منذ فترة بتأهيل العاملين بها هناك تغيير شامل وجوهري في فلسفة العقاب.
وفعلاً هناك تغيير ملموس وواضح وهذا ما دفعني علي الفور الي الاتصال باللواء هاني عبداللطيف بوزارة الداخلية وأحكي له اعجابي الشديد بما شاهدته من تغيير واضح في السجون وكذلك قمت بالاتصال باللواء محمد عليوة بمصلحة السجون وأبديت له اعجابي بالتغيير الملموس الذي تشهده السجون المصرية بعد الثورة.. وكانت مفاجأة الرجلين لي أن  قطاع السجون المصرية تحول الي قطاع انتاجي ضخم لدرجة أن هناك مسجونين ومسجونات يقومون بأعمال انتاجية تدر عليهم ربحاً لا يقل عن العاملين خارج السجن ويقومون بالصرف علي ذويهم وأبنائهم ويوفرون لهم كل الاحتياجات المادية المطلوبة.. وبذلك عندما تتحول فلسفة العقاب الي فلسفة انتاج فإننا بذلك نضمن مجتمعاً صحيحاً لا يشوبه العوار ويتحول السجن الي تهذيب واصلاح شعار بحق وحقيق.