رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التغيير الذي لم يأت‮!‬

هل يمكن أن تحدّق في الوجوه التي تلازمك في محطة أتوبيس أو مترو، أمام محل فول وطعمية، علي مقهي صاخب وأنت تلعب "عشرتين طاولة" بجانبك علي كرسي في ميكروباص، معك في طابور طويل أمام شباك شركة التليفونات أو الكهرباء، بجوارك وأنت تصلي في مسجد أو كنيسة ، حولك في شوارع مزدحمة يكاد الكتف يضرب في الكتف، في إشارة مرور عابرة لا ترحمها السيارات المتوترة، خلف مكتب منكبة علي كومة ملفات، في حقل ، في مصنع أو مصبغ أو ورشة ينضح منها العرق أو..في..وفي ..وفي؟!

 

ما رأيك فيهم؟!

لا تقسُ عليهم حتي لو غضبت من الحالة التي هم عليها، قد تتصور أنهم بشر علي شمال الزمن والدنيا، أصوات مكتومة، صبر علي المكاره والمظالم والذل، استكانة تسري في نفوسهم كما يسري الدم في العروق، خوف معشش في أفئدتهم من السلطة فيمضون أيامهم وهم يمشون جنب الحائط وربما في داخله..ناس علي باب الله ترفع يدها إلي السماء راجين الستر.. الخ!

حالتهم عجب ولا نظير لهم في العالم، فهم الذين صنعوا الفراعين الكبار والصغار وتركوا لهم الحبال علي الغارب، حتي تحكموا فيهم وحولوهم من بشر كاملي الحقوق إلي مجرد "راعية" داخل دوائر نفوذهم التي تشمل كل الوطن..

بشر في منتهي الغرابة..الدنيا تتحرك وهم ثابتون، الناس تثور علي الأوضاع الفاسدة في كل بقاع الأرض وهم راضون، الدول من حولهم تتقدم وهم متخلفون، يشاهدون العالم علي شاشات التليفزيون جميلا براقا حرا ديمقراطيا ولا يغتاظون، يسمعون عن بشر مثلهم يقلبون في بلاد الفرنجة حكومات أشد انضباطا وشرفا من حكومتهم ولا يتجرءون..

والعام الفائت حمل للمصريين بشائر وإحباطات، أحلاما وكوابيس، دفعا إلي الإمام وتراجعا إلي الخلف..وقد  يختزله المصريون في وصف عجيب أنه "عام"   الانتخابات المحبطة والتغيير الذي لم يأت!

والتغيير الذي نقصده ليس استبدال الأشخاص أو السياسات، وإنما الطريقة التي نفكر بها ،ونعيش بها، وندير بها حياتنا، أي النظام العام الذي يرتب دولاب الوطن ونتحرك داخله جميعا في كل الأنشطة من أول الميلاد إلي الممات، نريد وطنا يكون محلا للسعادة المشتركة، وليس محلا للمشكلات المزمنة التي يبدو حلها من قبيل المعجزات الكونية!

وقد يتصور البعض منا  أن تغيير الأشخاص هو بداية الحل!

لكن تغيير الأشخاص لا يحل ولا يربط، فأي شخص مهما كانت مكانته ودوره هو مجرد ترس في نظام، يعمل ويأخذ ويتكلم ويبقي ويمشي حسب أوامر التشغيل،  مجرد "دور" في مقابل بعض التزييت الذي هو نفوذ وثروة وسلطة،  و"خلعهم" لا يغير شيئا ولا تثبيت غيرهم يعالج خللا، لأن إصلاح الأحوال في العصر الحديث لم يعد حاكما عادلا أو حاكما ظالما، حاكما مستبدا أو حاكما ديمقراطيا، وإنما نظام عام صالح أو نظام عام فاسد يحرسه شعب فاعل وليس مفعولا به..وانتظار الحاكم العادل مثل انتظار "ما لا يجيء" فالعدل "عمل مجتمع" وليس عطية من فرد مهما كانت قيمته أو سلطته!

وليس صحيحا أن المصريين أدمنوا الذل وشربوه حتي الثمالة، فالثورة علي الولاة الظالمين منذ تفتت الإمبراطورية العباسية تحت سنابك خيول التتار لم تتوقف، لكن دائما

كان ينقص المصريين السلاح والعتاد "والنخبة" التي تسند ظهورهم وتنير لهم الطريق إلي نهايته، وعندما أتيحت لهم هذه النخبة بقيادة عمر مكرم في أوائل القرن التاسع عشر، جاءوا بـ"محمد علي" حاكما عليهم، لكنها كانت نخبة فيها قدر من السذاجة التي مكنت محمد علي من حصارها ونفيها في أرجاء البلاد!

وأي ثورة شعبية يلزمها عناصر إشعالها "الأسباب والظروف والقيادة والتنظيم"، وقد تتوافر بعض هذه العناصر دون الأخري، فيصعب - إن لم يستحيل أن تنفجر!

وثورة عام 1919 مثال فريد علي الروح المتوقدة دائما في نفوس المصريين، فالبريطانيون لم يتوقعوها قط، ولم يتصوروا قيامها، بل أن المندوب السامي البريطاني "جوست" أرسل برقية إلي الخارجية البريطانية قبلها بشهور يقول فيها: " انها أمة مسالمة ويمكن أن نمكث في مصر مائة عام أو أكثر دون قلاقل تزعجنا"!

لكن مصر التي كانت تبدو جثة هامدة في السابع من مارس عام 1919 انتفضت عملاقا مرعبا مذهلا في اليوم التالي مباشرة، ملايين البشر في الشوارع والميادين يصرخون: يحيا سعد..تحيا مصر..الاستقلال التام أو الموت الزؤام، وضحي مئات المصريين بدمائهم دون تردد أو وجل أو سؤال..لأن الأسباب والظروف والقيادة والتنظيم كانت متوفرة إلي حد كبير!

هؤلاء هم المصريون..بالرغم من  الجهل والفقر والمرض، الثالوث المتوحش الرابض في أبدانهم وعقولهم من قرون!

صحيح أن النخبة التي قادت هذه الثورة لم تكمل المشوار إلي نهايته، وحدثت لها انقسامات وصراعات!

وهي مصيبة تكررت مرة ثانية وبشكل أفدح مع ثورة يوليو 1952 وأنتجت نوعا من الأوبئة المستوطنة: سلبية وتواكل وعدم مبالاة ونفاق وعدم اتقان العمل وتجاهل حقوق الآخر..الخ!

لكنها عوارض مرض وليس أصل المرض..

أصل المرض .سلطة منهم لم تحترم حقوقهم ولا إنسانيتهم لتجبرهم علي الرضا بالمقسوم..ونخبة متعلمة خانتهم وأدارت لهم ظهرها، بل وعملت علي تربيتهم علي الطاعة والصبر والسكوت علي المظالم، مقابل أن تدور هذه النخبة في فلك السلطة وتنعم بعطية السلطان: مناصب وجاه وثروة!

أما أغلب المصريين فهم يحلمون بأن يغيروا هذه الأحوال المائلة، لكن لم تتوافر لهم العناصر الأربعة بعد!

 

[email protected]