رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوفد والثورة (2/ 2)

 

 

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن استمرارية الحزب وقدرته علي التكيف في إطار عدد من الاشكاليات تعرضنا للإشكالية الأولي وهي القدرة علي التجاوب مع المراحل السياسية المختلفة فالوفد نشأ حزبا للثورة ثم تحول الي حزب جماهيري فضفاض يحقق المطالب الشعبية المؤجلة من عقود طويلة، وذلك في فترات توليه للحكم ثم انتقاله من العهد الملكي للعهد الانقلابي وعودته حزباً معارضاً لقمع الحريات والفساد وسوء توزيع الثروة ولعل الوفد قد نجح في المراحل الثلاث نجاحاً متفاوتاً من وجهة نظر لأخري ولكن استمراريته وقدرته علي القيام بالدور المنوط به هو مؤشر قدرة علي الاستمرار، أما الاشكالية الثانية.. فهي انتقال قيادة الحزب وادارته من جيل لآخر ولعل أول انتقال لقيادة الحزب جاء في أعقاب وفاة سعد زغلول.. اجتمعت هيئة الوفد المصري في ذلك الحين وانتخبت مصطفي النحاس رئيساً في مواجهة فتح الله بركات وكان الوفد قد تخلص من كبار الملاك الزراعيين في الخروج الأول من الوفد في عام 21 والذي شكل قوامه (محمد محمود - حمد الباسل - عبد اللطيف المكباتي - لطفي السيد - محمد علي علوبه - جورج خياط - عبد الخالق مدكور) فكان انتخاب النحاس رئيساً ومكرم سكرتيراً تعبيراً عن سيطرة الطبقة المتوسطة الصاعدة والأفندية المتعلمين والملاك الزراعيين المتوسطين والفلاحين في الريف فكانت تلك التشكيلة هي التي صعدت بابن الطبقة المتوسطة الصغيرة مصطفي النحاس رئيساً للوفد.. ولعل الخروج الثاني علي الوفد علي إثر الخلاف حول الحكومة القومية الموحدة إبان فترة حكم صدقي ورفض صقور الوفد لها فكان خروج (مراد الشرعي - علوي الجزار - عطا عفيفي - فخري عبد النور - فتح الله بركات - سلامة ميخائيل) تصفية جديدة لكبار الملاك لاسيما بعد ضم (محمود بسيوني - محمد زغلول - عبد السلام جمعة - حامد محمود - محمد عز العرب - كامل صدقي) فكان تأكيداً لتمثيل الوفد للبرجوازية المتوسطة الصغيرة وسيطرتها علي آلية صناعة القرار.. وبالتأكيد فإن مع اختيار سراج الدين سكرتيراً عاماً في أعقاب صبري أبو علم وعبد السلام جمعة كان بداية لمرحلة جديدة في تاريخ صناعة القرار واشتباك هيئات الوفد المختلفة في ذلك الحين بين الطليعة الوفدية ولجان الشباب وهيئة الوفد المصري ولكن آلية الصراع ووجود النحاس وقدرته علي الضبط وزعامته الشعبية وسياسة سراج الدين في احتواء الخلاف قدرت للوفد أن يعود للحكم في انتخابات 50 آخر انتخابات حرة أجريت في مصر لتكون عنوان الحقيقة علي انتخاب الشعب لحكم الشعب ولحزب الوفد قلعة الديمقراطية وحصنها الحصين.. واستطاع سراج الدين وصحبه من شباب الوفد في الاربعينيات والخمسينيات اعادة الوفد للحياة في 78 تم بحكم القضاء في فبراير 84 ليخوض الوفد انتخابات 84 و87 بالقائمة النسبية ثم يقاطع 90 وكانت فترة ما بعد 95 هي بداية التجمد الحقيقي لنهر الحياة الحزبية المقيدة التي نشأت علي يد السادات في 1976 وكانت محاولات اختراق عمليات تزوير الانتخابات وتبخر فكرة تداول السلطة فعلياً وذلك عبر التحاور الخفي مع أجهزة أمن الدولة والصفقات المعروفة التي أدت لظهور نجوم فردية للمعارضة في وسيلة جديدة للدولة البوليسية للقضاء علي ما تبقي من روح العمل الحزبي والعمل العام برمته فأدت الي ظهور مسخ للمعارضة تسيد المسرح السياسي في فترة الخمسة عشر عاماً الأخيرة وقدم هؤلاء المعارضون المسخ نموذجاً فضل الكثيرون للأسف محاكاته والتماهي معه باعتباره أمراً واقعاً والوسيلة الوحيدة للتواجد.. مما دفع قطاعات واسعة من الشعب المصري بمختلف أجياله الي مغادرة دائرة الممارسة والمتابعة للعمل السياسي والكفر بآليات الحزبية وجاءت انتخابات 2010 لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير.. وكان لتلك المناخات تداعياتها علي الأحزاب المصرية في ظل اجواء الاحباط واليأس وإغلاق القنوات الطبيعية للتغيير.. وكانت عملية انتقال الادارة والقيادة من جيل لجيل تتفاعل مع تلك الاحداث فجاءت وفاة سراج الدين تلك القيادة التاريخية الضخمة بمعادلاتها المتنوعة القادرة علي احتواء الوفد وتقديمه في صورة واحدة وفي ظل قبضته القوية ومظلته الواسعة كان انتقال القيادة من سراج الدين الي نعمان جمعة ديمقراطياً وطبقاً للائحة الحزبية في حينه ولكن لا شك أن تشكيلة الجمعية العمومية في ذلك الوقت كان هو نفسه مع اضافات طفيفة هي الجمعية العمومية التي عادت بالوفد للحياة السياسية في ظل السادات ثم مبارك وكانت جمعية محكمة توافقية غير متغيرة تكونت في ظل مناخات بوليسية سائدة.. ولكن رياح التغيير والرغبة في المأسسة بصورة ديمقراطية قد دقت بعنف ولم يستطع رئيس الوفد الأسبق نعمان جمعة الاستجابة لتلك الأشواق.. فلم يعد مقبولاً ان تظل الجمعية العمومية متجمدة غير قابلة للتغيير فضلاً عن تجاهله أن الوفد كان قد انتقل هو والعالم بأجمعه من مرحلة الزعامات والكاريزمات والتي ملأها سعد والنحاس وسراج الدين الي مرحلة الرئاسة والمؤسسة والجماعية الديمقراطية.. فكان الصدام الذي حدث في يناير 2006 لاسيما بعد انتخابات الرئاسة المزورة في 2005 ونتائجها التي قصدت الاساءة للوفد وانتخابات مجلس الشعب ايضا والتي كان تزويرها جلياً في مرحلتيها الثانية والثالثة والصفقات السياسية الممررة خلالها لحساب فصائل سياسية وأداء الرئيس الاسبق السيئ في كل الانتخابات.. كل هذه المطبات دفعت الوفد دفعاً للصدام المعروف والتي وقفت فيه جموع الوفديين في صالح الديمقراطية وتم إقصاء الرئيس الأسبق طبقاً للطرق

اللائحية الخاصة بالحزب وكان انتخاب محمود أباظة رئيسا للوفد..

وكان إصدار لائحة جديدة تعيد تشكيل الجمعية العمومية بصورة ديمقراطية نسبياً فنشأت لجان مركزية بصورة انتخابية أو توافقية فنقلت تركيبة الحزب من جمعية عمومية مصمتة الي جمعية عمومية شبه منتخبة متحركة ولعل أبرز نتائج ذلك الحراك الديمقراطي الذي مارسه الوفد في جمعيته العمومية أن جاءت انتخابات الرئاسة الاخيرة في مايو 2010 برئيس جديد وهو د. سيد البدوي في نتيجة بالغة الدلالة لمعني الديمقراطية فالحراك والتغيير هو مبناها ومحتواها مما يؤكد حقيقة مفعول الديمقراطية في التداول.. وكانت انتخابات رئاسة الوفد الأخيرة نموذجاً أدهش شعب مصر وجذبه للحوار والممارسة والمنافسة التي تمت فتابعها عن كثب وكان لذلك التغيير أكبر الأثر في استرداد الكثير من الثقة في عافية الديمقراطية عندما تمارس بالشكل الصحيح وطبقاً لقواعدها المعروفة.

وهكذا نخلص من هذا أن الوفد المؤسسة قد استطاع التكييف مع تغيير الرؤساء والادارة من جيل لجيل دون حدوث انشقاقات أو فوالق تطيح بالمؤسسة وذلك عبر رحلته لأكثر من تسعين عاماً مما يعطي مؤشراً ناجحاً لقدرة الحزب علي الاستمرار والقيام بمهامه.

ولا شك أن قضايا التنظيم وتوسيع قاعدة اللجان المركزية لزيادة رقعة الجمعية العمومية لمزيد من الديمقراطية والمحاسبة وتفعيل الوحدات المركزية والفرعية هو السبيل لمزيد من اللحمة الشعبية في ظل المناخات المفتوحة في مصر الثورة وذلك هو المدخل الطبيعي لحزب الوفد كي يحقق معادلة الوجود والاستمرار ولعل انتخابات الهيئة العليا التي سوف تجري في نهاية هذا الأسبوع تكون مدخلاً للمستقبل وهي انتخابات فرضتها ظروف الحزب السياسية طبقاً لتأجيلها الذي حدث في ابريل 2010 طبقاً لقرار الجمعية العمومية فجاء هذا التأجيل بشقيه السلبي والايجابي.. أما السلبي منه فهو حالة الحراك السياسي الواسع في مصر وضرورة انغماس الحزب بالكامل في أتون تلك المعركة وتواجده الدائم في مختلف الدوائر في مواجهة القضايا المطروحة من قوانين  تهبط علينا من أعلي مثل قانون الاحزاب ثم قانون الانتخاب.. الي قضايا الفتنة الطائفية والحوار الدائر حول الدولة المدنية فضلاً عن مطالبات التطهير والمحاسبة.. فإجراء الانتخابات الداخلية قد يؤثر علي أداء هيئات وأعضاء الحزب في تجمعاتهم المختلفة خلال تلك الفترة طبقاً لطبيعة الانتخابات ومناخاتها.. أما الشق الايجابي فهو إعادة تغيير وتشكيل الهيئة الموجهة لسياسات الحزب والتي تنتخب المكتب التنفيذي وفي ذلك اعادة تشكيل لتفاعلات ورؤية الحزب والتعبير عنها في تلك المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر لأول مرة بتاريخها منذ ستة عقود.. وما تتطلبه من اعادة تأسيس للدولة الديمقراطية المدنية العادلة التي تجعل المواطنة ودولة القانون والديمقراطية وتكافؤ الفرص هي الأسس والاركان الثابتة التي تقوم عليها مصر المستقبل..

وعلي هذا فرؤية الهيئة العليا والمكتب التنفيذي الجديد هي التي سوف تحدد قدرة الوفد علي الممارسة والمطالبة والتواجد الجدي والفاعل في تلك المعارك التي تخوضها مصر بصورة مصيرية لتحديد مستقبلها وعليه سوف تكون تلك الهيئة وذلك المكتب هما المنوط بهما اتخاذ الاجراءات والقرارات الملائمة والحاسمة والقادرة علي التواجد والتفعيل لمختلف هيئات ولجان الحزب العامة والمركزية للمشاركة الإيجابية في تلك القضايا فضلاً عن خوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية وما لهما من أكبر الأثر في وجهة الوطن.. وبالطبع فعلي تلك الهيئة مهمة التغيير والتفعيل الجاد للحقيقة التاريخية أن الوفد ضمير الأمة.. تلك هي الوجهة الإيجابية للمعركة في ذلك التوقيت وذلك تعبير جيد للوفد الذي يقدم تشكيلة جديدة وجيلاً جديداً للإدارة والتغيير للتعبير عن احتياجات المرحلة وتطوراتها وملاحقتها.. وفق الله الوفد لما فيه خير مصر والمصريين.

*سكرتير مساعد الوفد