عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشفيات الأثرية.. كنوز منسية

بوابة الوفد الإلكترونية

تزخر القاهرة بآلاف المبانى الأثرىة، بعضها مزارات سياحية، وبعضها الآخر مازال مستمرًا فى أداء وظيفته القديمة، والمستشفيات الأثرىة واحدة من هذه المبانى التى تجمع بين التراث والعمل الميدانى، ففى أحياء القاهرة القديمة، توجد مستشفيات أثرىة نسج الإهمال خيوطه بين جوانبها، وأصبحت فى حالة يرثى لها، ولكنها ما زالت تحافظ على طابعها الأثرى العريق وتقدم خدمة طبية لأبناء المناطق القريبة منها.

من المعروف أن مصر عرفت الطب منذ عصر قدماء المصريين، وفى العصر الرومانى كان الرهبان يقدمون الرعاية الصحية فى الأديرة والحمامات العامة؛ ونتيجة للتقدم الذى حققه العرب فى مجال الطب، كانوا هم أول من قام ببناء المستشفيات؛ وأبدعوا فى تصميمها؛ وأصبح هناك أطباء وممرضون يقومون بتقديم الخدمة الطبية فيها، وتأسس أول مستشفى فى مصر فى عصر أحمد بن طولون عام 872؛ واشتهر بعلاج من يعانون من الأمراض العقلية، وفى القرن الثانى عشر قام صلاح الدين ببناء مستشفى الناصرى فى القاهرة؛ وفى عام 1284، تأسس مستشفى المنصورى، الذى ظل المركز الطبى الأهم فى القاهرة حتى القرن الخامس عشر، ولكن بمرور الأعوام، طمس الدهر والنزاعات والحروب معظم هذه المستشفيات، ولم يتبق منها إلا عدد قليل.

 

«قلاوون.. أقدم مستشفى فى «المحروسة»

يعتبر مستشفى «قلاوون» فى حى الحسين واحدًا من أقدم المستشفيات فى مصر، وقد قال عنه الرحالة المغربى ابن بطوطة الذى زار مصر فى القرن الرابع عشر الميلادى: «المارستان الذى بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون فيعجز الواصف عن محاسنه، وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصر»، ووصفه الرحالة العثمانى أوليا جلبى، الذى زار القاهرة فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى قائلًا: «إنه مستشفى عظيم يقع فى ركن حرم جامع السلطان قلاوون، ولا وجود لمبنى يشبهه فى بلاد العرب والترك والعجم، كما أن بناءه الحديث من حيث الفخامة والعظمة جعلنى لا أشهد مبنى بمثل هذه العظمة».

وذكر أوليا جلبى أيضاً أنه مرض مرضًا مزمنًا لمدة أكثر من ربع القرن من عمره 1611- 1684م، وعلى الرغم من التماسه العلاج فى أكثر من مكان فى المستشفيات التابعة للدولة العثمانية، فإنه لم يشف إلا فى مستشفى السلطان قلاوون بالقاهرة، وذلك بواسطة دواء سماه «الترياق الفاروقى»، وذكر أنه كان يُستخرج من الثعابين داخل المستشفى، ولم يكن هذا الدواء يحضر فى مصر سوى مرة واحدة فى العام، وكان يتم تصديره أيضاً إلى إسطنبول، عاصمة الخلافة العثمانية.

ومن هنا أصبح المستشفى، عنوانًا للبعد الاجتماعى والطبى للحضارة الإسلامية، حيث كان من أهم وأشهر المستشفيات فى مصر، لأنه كان يستقبل كل أفراد الشعب أيًا كانت مرتبتهم الاجتماعية، ولم يكن ليضارعه أى مستشفى آخر فى العالم الإسلامى، أو الأوروبى، بسبب تفوق الحضارة الإسلامية فى مجال العلوم والطب،

وكان مستشفى قلاوون يحتوى على قسمين، للرجال والسيدات، وفى كل قسم قاعات وغرف لمختلف الأمراض الباطنية والجراحة وأمراض العيون، فضلًا عن قاعة لتجبير العظام، كما كان لكل تخصص رئيس من الأطباء الكبار وثلاثة مساعدين، وكان المستشفى يهتم بالمرضى بشكل كبير، إذ كان يتم توفير الأدوية والعقاقير لهم، فضلًا عن الأسرة والماء العذب والإضاءة الجيدة، بالإضافة إلى توفير عمال لنظافة المستشفى وغسيل ملابس المرضى، وامتدت مظلة الرعاية الصحية التى يقدمها المستشفى إلى المرضى الفقراء فى بيوتهم، إذ كان يتم صرف الأدوية والأغذية ومتابعة حالتهم الصحية من دون أن يؤثر ذلك على الميزانية المخصصة للمرضى المقيمين بالمستشفى.

وكان يتم تحضير الأدوية داخل قاعات المستشفى، ثم يجرى وضعها فى أوان خاصة بها، ثم تخزينها فى جو مناسب لكى لا تفسد، وتكفل مستشفى السلطان قلاوون بتوفير كل سبل الراحة لمرضاه، إذ جرى توفير مراوح من الخوص يستخدمها المرضى فى التهوية خلال فصل الصيف، فضلًا عن ذلك كان كل مريض يتناول طعامه بمعزل عن الآخرين، كما جرى توفير أغطية خاصة لمنع غذاء المرضى من التلوث، كما كان لمستشفى السلطان قلاوون بالقاهرة فى القرن السابع الهجرى، الثالث عشر الميلادى دور كبير فى تدريس الطب، بعد أن استقبل الطلبة الراغبين فى تعلم الطب، وبعد امتحانهم عدة مرات، كان يجرى الاحتفال بتخرجهم وفق تخصصاتهم المختلفة، كالطبائعيين، والجرائحيين، والكحالين.

وحتى يومنا هذا ما زال المستشفى الأثرى يقدم خدماته للمصريين، فحينما تسير فى منطقة القاهرة التاريخية يمكنك بسهولة تمييز موقعها بين المبانى الأثرىة من خلال لافتة عالية موجودة أعلى المدخل، ومن بين الجدران تفوح رائحة العصور البائدة، وترتسم على أحجاره الأزمنة المختلفة التى شهدها هذا المبنى العتيق، ولكنه ليس مجرد مستشفى مكون من مبان مصمتة، فالمستشفى المتخصص فى الرمد والأسنان لأهالى الجمالية الذى أنشئ عام 1299، بل هو كتاب فيه من الأسرار والجمال الكثير، فهو يُعد متحفًا معماريًا حيًا شاهدًا على عظمة القاهرة وروعة آثارها.

وفى وسط هذه الأجواء المعطرة بعبق التاريخ، يستقبل المستشفى يوميًا مئات المرضى، يجلسون على الكراسى المتهالكة داخل المستشفى منذ الصباح الباكر، منتظرين بدأ عمل العيادات، فالمكان مخصص لعلاج الفقراء وبأسعار رمزية، ومع ذلك فهو من أنظف وأرقى المستشفيات على مستوى الجمهورية فى الرعاية الصحية، فالأطباء الذين يعملون به هم الأفضل فى تخصصاتهم، بل إنه يشهد مجىء أطباء من الدول الأجنبية للكشف على المرضى، أما أسلوب كشف أطباء مستشفى الناصر قلاوون على المرضى، فكان يتم بشكل منفرد، وإذا ما لاحظ الطبيب عرضًا غريبًا على المريض، يطلب مشاركة طبيب آخر معه، وهو ما أكدته إحدى السيدات عند سؤالها عن مستوى الخدمة المقدمة من الأطباء لمرضاهم، لافتة إلى أن هناك حالات عديدة، كان الأطباء من مختلف التخصصات يتحلقون حول سرير المريض للوصول إلى التشخيص السليم، وإنقاذ حياة المريض، وهو ما حدث مع أختها، التى لطالما عانت من وجود مياه على عينيها.

وتدخل أحد العاملين بالمستشفى، لاستكمال الحديث، قائلًا: «يتردد نحو 500 مريض يوميًا على العيادات الخارجية بالمستشفى، الذى توجد به 8 عيادات للرمد لاستقبال حالات المياه الزرقاء، والشبكية، والأطفال، بخلاف وحدة للأسنان وعمل التركيبات الخاصة بها، وهناك جهاز «Slit lamp» الذى يطلق عليه «المصباح الشقى» يمكنه فحص العين بشكل ثلاثى الأبعاد، يفيد فى فحص قاع العين، خاصة لمرضى السكر وضغط الدم، لتحديد طريقة العلاج المناسبة لكل حالة، سواء كانت بالأدوية أو بالتدخل الجراحى.

وأوضح أن المستشفى يقدم خدماته العلاجية بشكل مجانى للمرضى، وأن سعر تذكرة الكشف بالعيادات الخارجية عشر جنيهات للرمد، و15 جنيهًا للأسنان، كما يوجد معمل بأسعار رمزية، لافتًا إلى تقديم الخدمة الطبية بشكل لائق لأى مريض سواء من منتفعى العلاج على نفقة الدولة، أو التأمين الصحى أو القسم الاقتصادى، لافتًا إلى وجود جناح عمليات للجراحات المتقدمة للعين يجرى عمليات الحول، والمياه البيضاء، والمياه الزرقاء، والكيس الدمعى، وحالات الأطفال، وعمليات تجميل الجفن، مع المتابعة الدورية للحالات بعد الجراحات.

 

العباسية.. جمهورية تحكمها تقاليد خاصة

فى ميدان العباسية بالقاهرة يوجد واحد من أشهر المستشفيات الأثرىة فى مصر، وهو مستشفى العباسية للأمراض العقلية الذى أنشىء عام 1882، ومساحية 68 فدانًا، ويضم 1504 سراير داخل 46 قسمًا، وقد تم اقتطاع أجزاء من مساحته هى: حديقة العروبة التى أخذتها محافظة القاهرة، وأرض المعارض، ووزارة الاستثمار والمعهد القومى للتدريب، الذى ضمته وزارة الصحة، وهو أشهر وأهم وأكبر مستشفى للصحة النفسية فى القاهرة، ويمثل جمهورية منفصلة عما يحدث فى خارجها، فلها قوانينها التى تحكمها وتقاليدها والمتمثلة فى المادتين 10، 13 من قانون الصحة النفسية.

البداية تعود إلى مئات الأعوام، فتاريخ مستشفى العباسية للصحة النفسية يعود للخديو عباس حلمى الأول، حيث تم إنشاؤها عام 1883، وكانت المنطقة تتميز بهوائها الصحى، لذلك تم بناء عدد من المستشفيات بها، منها مستشفى الأمراض العقلية، ومستشفى الحميات، وغيرهما، ثم احترقت هذه السراى، وأعاد بناءها الخديو توفيق، وعرفَت باسم «سراى المجاذيب» وبقى مبنيان وحيدان مطليان باللون الأصفر ما جعلهم يطلقون عليها «السرايا الصفراء» ثم تغير الاسم وأصبح مستشفى العباسية للصحة النفسية، ربما يتغير الاسم لكن يظل المكان واحدًا، وأصبح اسم الحى مرتبطًا بالمستشفى، والعكس صحيح.

لا تجد أمام مستشفى العباسية للصحة النفسية أشخاصًا كُثرًا، وفى الداخل رجل بجوار يافطة كبيرة يمتد عمرها لأكثر من 120 عامًا، ويافطة معلقة على حائط مرسوم عليه سهم يرشد الزائرين إلى مقر الكشف، التجول داخل المستشفى، يحتاج لسيارة، فمن الصعوبة تفقد منشآت المستشفى أو التعرف على جميع تفاصيله سيرًا على الأقدام، والعامل المشترك فى الطرق الداخلية للمستشفى هو الوحدة، كل شخص يقابلك بمفرده حتى العمال لا يمشى أحدهم مع الآخر، لكن السهولة فى الوصول إلى المقرات كان العامل المشترك الآخر.

آلية العمل داخل المستشفى تتمثل فى الوصول إلى شباك التذاكر بالعيادات، ثم انتظار الدور فى طابور، حتى الفحص الطبى بين أسوار المستشفى، الذى يتم فى قسمين، هما الإدمان، وقسم «الصحة النفسية»، وبين هذا وذاك يجد المرضى ضالتهم، حيث يعالج البعض بشكل دورى فى المستشفى تحت أنظار طبيب مختص على أعلى مستوى وخاصة فى قسم الإدمان، أما الحالات الحرجة فيتم حجزها فى العنابر الداخلية، إذا كانت حالة المريض تستدعى الحجز، ويتم ذلك من خلال أخصائيين، بالإضافة إلى طبيب مختص من المجلس القومى للصحة النفسية، وفقًا للمادة 13 من قانون الصحة النفسية، التى تنص على أنه «لا يجوز إدخال أى شخص إلزاميًا للعلاج بإحدى منشآت الصحة النفسية إلا بموافقة طبيب متخصص فى الطب النفسى، وذلك عند وجود علامات واضحة تدل على وجود مرض نفسى شديد يتطلب علاجه دخول إحدى منشآت الصحة النفسية».

أما المادة 10 فتنص على أنه «يحق لكل مريض نفسى بلغ الثامنة عشرة من عمره طلب دخول إحدى منشآت الصحة النفسية دون موافقة أحد، كما يحق له طلب الخروج فى أى وقت إلا إذا انطبقت عليه شروط الدخول الإلزامى، ويخطر أهل المريض متى وافق على ذلك».

والمستشفى مقسم لعدة مبان، منها مبنيان مخصصان للرجال، واثنان للسيدات، وعنابر خاصة للمراهقين، ويسع العنبر أكثر من 3 مرضى، ولكل مريض سرير خاص به مزود بـ3 بطاطين، والموجود فى مخازن المستشفى من مستلزمات الشتاء تغطى كل الاحتياجات، كما توجد عيادة طب نفسى للمسنين يومى الاثنين والأربعاء، والعيادات الخارجية تعمل فى كل أيام الأسبوع من 8 صباحًا إلى 1.30 ظهرًا.

وتحدث أحد العاملين الذى رفض ذكر اسمه، عن أعداد المترددين وحالاتهم، قائلًا: إن المرض النفسى مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأحداث المجتمعية، ومجتمعنا يمر بمرحلة مخاض وتحول كبير، كما أن الضغوط الحياتية تدفع بشدة نحو المرض النفسى وزيادة أعراضه، وتصنف الضغوط الحياتية تحت مسميات كثيرة منها الاقتصادية والأسرية والدراسية، مثل الطلاق والخسائر المالية وضغوط الثانوية العامة وخلافه، لذا توجد زيادة واضحة فى أعداد المترددين الجدد على العيادات الخارجية، ومتوسط الأعداد نحو ستة آلاف مريض شهريًا، ونحو ثلاثة آلاف متردد على عيادة الإدمان، مشيرًا إلى أن تكلفة الكشف وصرف العلاج بالمستشفى جنيه واحد فقط، وأن 60% من أسرة العلاج فى المستشفى مجانية تمامًا، و40% علاجًا اقتصاديًا تتراوح أسعاره بين 300 و1200 جنيه شهريًا، شاملًا الإقامة والعلاج، كما أن لدينا مرضى مقيمين منذ فترة طويلة جدًا، يشغلون أكثر من 65 % من عدد الأسرة.

وبالإضافة إلى هذا هناك جانب ترفيهي يخصص للمريض أسبوعيًا، ويتم فيه عرض مسرحيات، ومسلسلات قصيرة، وكذلك تخصيص جولات خارجية إذا طلب المريض ذلك بموافقة مدير المستشفى.

وعند التحدث مع «نشوى» التى جاءت للحصول على العلاج مجانًا لأختها، أكدت أن العلاج والمتابعة بالمجان، ومن الممكن أن لا تأتى الحالة، بل قطع تذكرة وعرض الشكوى على أحد الأطباء المختصين، ومن هنا سيقوم بكتابة العلاج اللازم للحالة، وتتم متابعته ولكن من منزل الشخص، مؤكدة أنه من الصعب الحصول على سرير للعلاج، وأن من له واسطة يستطيع إدخاله بالمجان، غير ذلك سيكون بمقابل مادى يتم دفعه شهريًا حوالى 3000 جنيه، لمعالجة ومتابعة المريض.

 

«سيد جلال»: نقص الإمكانيات يهدد الصرح الشامخ

المشهور عن سيد جلال أنه كان يدخل أقسام الشرطة فى باب الشعرية والظاهر ويسدد قيمة الكفالة المطلوبة للإفراج عن بعض المتهمين ممن لا يستطيعون سدادها، كما أن له صولات وجولات تحت قبة البرلمان المصرى حتى أُطلق عليه لقب «شيخ البرلمانيين».

هذا الراجل صاحب المواقف المشرفة تم إطلاق اسمه على مستشفى باب الشعرية الجامعى، الذى تبرع هو شخصيا بإنشائه سنة 1945م، وتولت وزارة الصحة الإشراف عليه حتى عام 1974م، ثم أصبح تحت إشراف جامعة الأزهر كمستشفى علاجى وتعليمى، تحت متابعة وإشراف كلية الطب بالجامعة، وكان المستشفى يتمتع بسمعة طيبة لذلك كان يلجأ إليه المرضى من كافة أنحاء الجمهورية؛ حيث إن خدماته كانت مميزة وتقدم بالمجان، أو بسعر رمزى، إلا أنه قد تمت زيادة سعر تذكرة الكشف بالعيادات الخارجية، حتى وصلت إلى 15 جنيهاً.

وبمرور الزمن، اختلفت أحوال المستشفى، من استقبال المرضى بثمن زهيد، إلى خروجهم بسبب الإهمال المتواجد فيها، ففى يناير من عام 2016 أثيرت أخبار حول وفاة ثلاثة أطفال بمستشفى سيد جلال الجامعى نتيجة لنقص أنابيب الأكسجين، وقتها ظهر مدير المستشفى الدكتور حسام كامل فى تصريحات تليفزيونية ينفى خبر وفاة الأطفال، لكنه أقر بوفاة

مرضى آخرين ليس بسبب نقص أسطوانات الأكسجين ولكن بسبب «تسريب فى صمام الأكسجين الواصل للمبنى الخاص بالرعايات الحرجة والحضانات».. وأضاف أيضاً أنه تم التعامل مع هذا التسريب الأكسجينى سريعًا.

وفى أبريل من عام 2014، أعلن أطباء وممرضو المستشفى، اعتصامهم والامتناع عن استقبال المرضى، مما أثار حالة من الغضب والهياج بين صفوف المرضى، وذلك بسبب سوء معاملة الجمهور فى ظل الغياب الأمنى وقتها، والتى وقعت حينها العديد من حالات التجاوزات بالسباب، واعتداءات بالأسلحة البيضاء من قبل بعض البلطجية ومرافقى المرضى ضد الأطباء والممرضين، بل وجميع موظفى المستشفى المتعاملين مع الجمهور.

إلا أنه بعد مرور عدة أعوام، تغير الحال إلى الأفضل، وأصبح المستشفى يستقبل مئات الحالات يوميًا فى كافة التخصصات، وشهدت تطورا كبيرا ملموسا خلال المرحلة الحالية، حيث افتتح فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قسم جراحة القلب بمستشفى الطوارئ، ويضم غرفتى عمليات، ووحدة رعاية مركزة وقسما خاصا بوحدة القلب والصدر بقوة 12 سريرا، وقسما داخليا تابعا به 22 سريرا.

كما يتم تطوير العديد من الأقسام، منها قسم الكبد والجهاز الهضمى الذى يشتمل على وحدة مناظير حديثة ووحدة للاكتشاف المبكر للأورام، ووحدة كاملة لرعاية القلب تشمل 18 سرير رعاية قلب، كما يجرى تطوير مبنى الطوارئ بالكامل وهو على مساحة 6000م2 ويشمل جميع التخصصات، وكذلك كافة العمليات بنفس المكان نظرا لأن المستشفى يستقبل ما بين 1000 و1200 مريض طوارئ يوميًا، وهناك مبنى مكون من 11 طابقاً به بعض الأقسام المستحدثة كالتعقيم المركزى المجهز بأحدث الأجهزة المتخصصة المتطورة تكنولوجيا، بالإضافة إلى بنك دم متطور لمواجهة التحديات الجديدة للأمراض المعدية، بخلاف توفير 22 سرير رعاية مركزة، للمساهمة فى حل مشكلة نقص عدد أسرة الرعاية المركزة، كما يوجد بالمستشفى وحدة غسيل كلوى لمرضى الأطفال بجانب وحدة الكبار، كما تقدم المستشفى خدمة الطوارئ للمرضى المترددين عليها على مدار 24 ساعة يوميا لكافة التخصصات.

كما تسهم فى فرحة السيدات بخروج المولود الجديد للدنيا، بمبلغ زهيد لا يتعدى الـ700 جنيه، إلا أن البعض يقابل مصيراً آخر نتيجة نقص المستلزمات الطبية والإمكانيات، أو الواسطة للعلاج بالداخل، حسب ما قالته إحدى الفتيات، ما يُعرض المستشفى للانتقاد أحياناً.

وأضافت رانيا شريف، التى كانت فى انتظار زوجة أخيها فى بهو المستشفى، الذى تم ترميمه حديثاً، أنه بالرغم من انخفاض أسعار الكشف، ووجود أطباء أكفاء فى كافة التخصصات سواء نساء وولادة أو جلدية أو مخ وأعصاب وغيرها من التخصصات، إلا أن الواسطة أو معرفة ممرضة أو طبيب هى السبيل لاستمرار العلاج بدلًا من الروتين الحكومى.

 

الحوض المرصود.. أسطورة تاريخية فى علاج الفقراء

قصة أسطورية وراء تسمية مستشفى الحوض المرصود بهذا الاسم، حيث أكد بعض المستشرقين وعلماء الآثار، أن المنطقة المعروفة ببركة الفيل، كان يوجد بها حوض يسمى بالحوض المرصود، وهو عبارة عن تابوت، نسجت الكثير من الحكايات والأساطير حول هذا التابوت الذى كان يحوى مومياء لأحد كهنة العصور الفرعونية، وأكدت الأساطير أن هذا التابوت الضخم الثقيل يخبئ تحته كنزًا كبيرًا يحرسه الجن، فيما دارت أساطير أخرى عن قدرة الحوض على الشفاء من أمراض كثيرة أهمها «الحب»، لذلك أطلق عليه علماء الحملة الفرنسية «ينبوع العشاق» وهذا الحوض أو التابوت عبارة عن حوض من الحجر الصوان الأسود بطول 2.7 متر وعرض 1.38 متر وارتفاع 1.92 متر، وعلى جميع أسطحه الداخلية والخارجية كتابات جنائزية، ووضعه أحد بكوات المماليك أمام جامع الجاوبلى بحى السيدة زينب بالقاهرة، وهو ما سجله علماء الحملة الفرنسية فى كتاب وصف مصر، ولقيمته التاريخية، تم نقله بعد ذلك للمتحف البريطانى مع مجموعة آثار مصرية وفرعونية أخرى، وترصد لوحات المستشرق الإيطالى لويجى ماير، أسطورة الحوض المرصود، وأكدت اللوحات أن هذا الحوض كان يحتوى على المياه، وله قدرة على الشفاء من آلام الحب، وقبل نقله إلى بريطانيا كان التابوت يستخدم فى أحد مساجد القاهرة كحوض للمياه.

ووصل الحوض للمتحف البريطانى عام 1802، بعد أن أهداه ملك المملكة المتحدة جورج الثالث له، حيث تم وضعه بجوار حجر رشيد بالدور الثالث تحت اسم نافورة المحبين.

وذكر على باشا مبارك فى «خططه التوفيقية» أن موقع المستشفى الحالى، كان قصرًا للملك الناصر محمد بن قلاوون وكان يحمل اسم قصر «بقتمر الساقى»، ثم تحول إلى مصنع للنسيج، وبعد ذلك تحول إلى سجن سياسى، وسمى باسم الحوض المرصود، فى أواسط القرن الـ19، وبعد ذلك أصبح تكية فدار للقرعة، ثم تحول إلى مستشفى، وسمى فى البداية مستشفى الحريم أوائل القرن العشرين، واكتسب المستشفى شهرته نتيجة خبراته فى علاج الأمراض المنقولة جنسيًا والمستعصية، التى يصعب علاجها فى أى مكان آخر، ثم تحول الاسم إلى مستشفى الحوض المرصود لعلاج الأمراض الجلدية والتناسلية عام 1943، وبعد ذلك أصبح اسمها مستشفى «القاهرة للأمراض الجلدية والتناسلية عام 1979».

عند دخول المستشفى بحثًا عن أى نقوش أو مبان ترجع إلى عصور قديمة يمكن أن تساعد فى جمع شتات هذه الحكايات المتفرقة، لم نر سوى مستشفى أعيد بناؤه من جديد، يأتى إليها المرضى من كافة أنحاء الجمهورية، باحثين عن علاج لمختلف الأمراض، يبدأ توافد المرضى على المستشفى بعد الفجر، فيأتون إليها من كل صوب وحدب، لرغبتهم فى حجز الأدوار الأولى فى الكشف شبه المجانى الذى يقدمه المستشفى، ويعد الدواء الذى يتم تقديمه للمرضى هو الجاذب الأساسى لمرضى الأمراض الجلدية والتناسلية، فالعقاقير الطبية التى يتم صرفها لا تكون مطروحة فى الصيدليات، وبدائلها ذات أسعار مرتفعة جدًا، كما أنها لا تعطى نفس النتيجة.

وفى أروقة المستشفى التقينا مع ناجية حسنى، من محافظة الشرقية، التى أكدت أنها هنا منذ الخامسة فجرًا، وذلك للكشف على ابنتها التى تعانى من أمراض جلدية مستعصية، مشيرة إلى أن أهل قريتها أكدوا أن هذا المكان هو ملاذ للشفاء لرخص سعر الكشف، الذى يتراوح بين 5 جنيهات للسعر الحكومى من الساعة 8 إلى 9 صباحًا، يحصل فيه المريض على العلاج مجانًا، والاقتصادى بـ15 جنيهًا، والمميز بـ30 جنيهًا ولكن العلاج يكون على نفقة المواطن.

أما «عبدالله»، مريض بـ«القراع»، الذى جاء من البدرشين، فأكد أن أحد أقاربه نصحه بالذهاب للمستشفى، لأن به أطباء أكفاء، وأدوية مجانية تعالج الأمراض المستعصية، لافتًا إلى أنه أصيب بمرض غريب يعمل على تساقط شعره بشكل سريع، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة بداخل المستشفى، بدأ رحلة العلاج، والمتابعة الأسبوعية، الذى جاءت بنتيجة بعد مرور 3 أشهر.

 

«الجلاء للولادة».. استقبال الحالات الجديدة بـ«روح قديمة»

وسط الملابس المتراصة يمينًا ويسارًا من باعة وكالة البلح بوسط القاهرة، يقع أحد الصروح الطبية المتخصصة فى أمراض النسا والولادة والأطفال، وهو مستشفى «الجلاء التعليمى للولادة»، يتميز مبناه بطرازه المعمارى المتميز، ويرجع تاريخ إنشاء المستشفى لعام 1938، ويضم لفيفًا من الأطباء الحاصلين على الدرجات العلمية العالية (الدكتوراه والزمالة) المصرية والأجنبية، وجميعهم متخصصون فى أمراض النساء والولادة والأطفال.

هذا المستشفى معروف بين سكان القاهرة وضواحيها برخص أسعارها، ورداءة نظافتها، وخلال الأيام الماضية تعرض المبنى التاريخى للمستشفى للتصدع، وحدثت شروخ فى سيراميك حمامات الدور الرابع بالمبنى المجانى، والمكون من أرضى و4 طوابق، وبناء عليه تم إخلاء المبنى احترازيًا، وتسكين حالات الطوارئ فى المبنى الاقتصادى المجاور، مع العلم أن الدور الأرضى خاص بالاستقبال، وباقى الأدوار مخصصة لحالات الولادة بالمجان، وبرغم تسجيله كمبنى تراثى، طبقًا للقانون رقم 144 لسنة 2006، فى 15 نوفمبر 2008، فى حى بولاق بالمنطقة الغربية فى القاهرة، فإنه لم يلق سوى الإهمال من كافة الجهات، رغم قيمته المعمارية والعمرانية.

ويذكر أن المستشفى، يتوفر به 299 سريرًا، منها 164 سريرًا مجانيًا، و64 سريرًا اقتصاديًا و19 سرير أطفال، كما يتوفر به 27 حضّانة مجانية، و8 حضانات اقتصادية، و14 غرفة عمليات.

المستشفى، الذى يشبه أحد قصور العصور الوسطى، يستقبل يوميًا آلاف الأشخاص، جدرانه الخارجية يكسوها الشيب وكأنها دون روح، وإن كان الواقع يقر بأنه المبنى الأكثر نبضًا بالحياة، حيث تتشابك بداخله حياة أطباء وأطقم تمريض يمثلون عمودًا رئيسيًا، يستند عليه هذا الشاهق، يقضى معظمهم الساعات الأكثر من ليلهم ونهارهم لاستقبال الزائرين الجدد إلى عالمنا، ليكونوا شهودًا على الحياة التى يمنحها الله لكل طفل جديد كتب له القدير أن يخرج إلى الدنيا من غرف مستشفى الجلاء للولادة، إلا أن عند محاولة اختلاس النظر نرى الإهمال وافتراش الذباب لجدرانه، والسيدات على الأرض، وهو ما أكدته نور على، التى تنتظر أختها ومعها ملابس الطفل الوليد، وعند سؤالها عن سبب مكوثها، أجابت بدون تفكير أن المريضة تدخل وحيدة، وأن الممرضة هى من تأتى وتأخذ ملابس الطفل والأم، فى حين ينتظر الأهل فى الخارج، مؤكدة أنه بسبب أسعارها المنخفضة التى لا تتخطى الألف جنيه، فإن الإقبال عليها كثير.