عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اقتفاء أثر«وداد» بطلة الحفلات الماجنة للأمير يوسف كمال بالصعيد (الحلقة الثانية والأخيرة)

بوابة الوفد الإلكترونية

بدأ جليل الدين محمد البنداري مؤلف مسرحية «وداد الغازية» التي تحولت لفيلم سينمائي، حياته موظفًا في مصلحة التليفونات ثم التحق بمؤسسة الأخبار وتخصص في الصحافة الفنية وكان مشهورًا بعلاقاته الواسعة وإطلاقه الألقاب على الفنانين والمطربين في ذلك الوقت، وألف عددًا من الأغاني والمسرحيات ومنها «شفيقة القبطية» والأفلام ومنها «العتبة الخضراء».

تذكر أسرة الراحل جليل البنداري في حديث أدلت به لصحفية الأهرام في 18 ديسمبر 2015، أنه كان مغرمًا بالتراث الشعبي وعندما قرأ مقطع «على حسب وداد قلبي» بحث عن «وداد» في بلدها فوجدها غازية أحبها الأمير يوسف كمال، فكتب مسرحيته وداد الغازية التي عرضت على مسرح البالون.

لكن ما المصدر الذي استقى منه جليل البنداري الفكرة الأساسية لمسرحيته والتي سيكتبها لاحقًا وهو صحفي لامع يعيش في القاهرة؟!

في 20 نوفمبر 1965 نشرت أخبار اليوم سردًا لعدد من الروايات تحت عنوان رئيسي «الغازية والبرنس المجنون»، كاتب التحقيق استهل ما كتبه ليؤكد أنه زار نجع حمادي التي أسماها «عاصمة القصب» إشارة لتمركز زراعة ذلك المحصول بها ووجود مصنعًا لتكرير السكر ويذكر أنه تخلف عن العودة مع البعثة ـ إلى القاهرة فيما يبدو، ليزور قصر يوسف كمال الأسطوري.

وفي فقرة من التحقيق يروي كاتب التحقيق «ومن أجل سواد عيون وداد الغازية هجر يوسف كمال منيرة المهدية وأصبح يقيم معظم السنة في نجع حمادي ولقد وقع يوسف كمال في غرام وداد الغازية من أول نظرة، فقد دعيت أو أمرت بالغناء في قصره فلما دخلت عليه لم يبستم لها إنما أمرها بالغناء فشتمته بهذه الأغنية المعروفة في أنحاء الصعيد يا جريد النخل العالي طاطي وأرمي السلام».

ويضيف في فقرة لاحقة «وفي تلك الليلة شرب يوسف كمال كثيرًا وطلب إليها أن تغني وترقص لضيوفه وهي عارية كما ولدتها أمها، فرفضت وداد وأستاء الأمير، وفي تلك اللحظة كان مأمور مركز نجع حمادي يستأذن في مقابلته فلما دخل عليه تذكر أن المأمور قد أباح لنفسه أن يسكن في أحد بيوته دون أذن منه شخصيًا فتناول كرباجًا وانهال على المأمور أمام ضيوفه وعبيده ووداد الغازية! وخرج المأمور من قصر يوسف كمال وهو ممزق الجسد والثياب والكرامة ومشي في شوارع نجع حمادي بهذه الصورة الأليمة حتي ركب أول قطار للقاهرة، والتفت الأمير المجنون إلى وداد وقال لها: أنك تمنحين نفسك لكلاب السكك فقالت وداد في شجاعة: كلاب السكك نعم إنما أنت لا».

أورد الصحفي رواية وداد الغازية وكأنه كان شاهد عيان على الأحداث ومعاصر لها رغم أنه كتب في بداية تحقيقه أنه كان زائر لنجع حمادي، ولم يعضدها بمتحدث أو راوي من الأهالي، وهذا حال جميع الروايات التي أوردها في تحقيقه المسمي «الغازية والبرنس المجنون».

 وشمل روايات أخري مثيرة وجاذبة للقراءة ومضحكة أيضا ومنها ما ذكره عن علاقة الأمير السابق بالمطربة منيرة المهدية «كان يوسف كمال يمضي أيام في السنة ليستمتع بغناء وغراميات منيرة المهدية، وقد روت لي منيرة المهدية أنها طلبت إليه أن يهديها أسدًا وفي اليوم التالي استيقظت من النوم وكانت تقيم في عوامتها في الزمالك على زئير أسد ضخم والعوامة تهتز اهتزازات تعرضها للغرق فعرفت أن الأمير المجنون أهدا أسدًا من حديقة الحيوان بالجيزة في قفص من حديد فاتصلت به منيرة المهدية ـ ويقصد الأمير وقالت له إنها كانت تريد أسد صغير حتي ترضعه بالبزازة»!.

نمط النشر عن الأمير يوسف كمال في صحافة ثورة يوليو 52 كان موحدًا تقريبا في اللغة والأهداف رغم تنوع منصات النشر ما بين أخبار اليوم ومجلتي الإذاعة والاثنين التابعة لدار الهلال، وكان المقصود إظهار الأمير

السابق في طور الإقطاعي المتعجرف، غريب الأطوار، زير نساء، ماجن، وغيرها من الصفات اللازمة لإيجاد صورة ذهنية سلبية عن الأمير لدي جمهور القرّاء.

 

المصدر الذي استقي منه جليل البنداري مسرحيته «وداد الغازية» كان ما نشر في صحافة ثورة يوليو عن حياة الأمير يوسف كمال في نجع حمادي! تقوم نادية الجندي بدور وداد الغازية التي تعمل مع والدتها بمقهى، ويلعب دور المأمور الفنان محمود ياسين، والفنان عادل أدهم في دور الأمير «يوسف» كما أسماه المؤلف.

 

 واستدعي جليل البنداري الروايات التي نشرت عن الأمير في صحافة ثورة يوليو  وكتبها في قالب درامي بنفس لغة السخرية والتهكم التي كتبت في مطبوعات الثورة وسار على نهجه في الفيلم  مصطفي محرم كاتب السيناريو وبهجت قمر كاتب الحوار، استعان البنداري برواية المأمور المطرود من نجع حمادي بأمر يوسف كمال وغيرها من القصص وأنهي الفيلم بثورة الأهالي ووداد الغازية على الأمير يوسف كمال! 

 

ويطرح السؤال نفسه هل قصة وداد الغازية حدثت بالفعل؟ 

مدينة نجع حمادي ـ موقع أحداث مسرحية جليل البنداري، تقع شمال محافظة  قنا وارتبطت مدنيتها وتأسيسها الأول في المباني والعمران بالأمير يوسف كمال بن أحمد كمال باشا بن الأمير أحمد رفعت باشا بن إبراهيم باشا والي مصر، الذي أقام مجموعة معمارية تقع على مساحة 7 أفدنة لمباشرة أملاكه الزراعية الواسعة التي كانت تقرب من 16 ألف فدان وأسس بها مدرسة باسمه وأوقف عليها وقفية من أملاكه للصرف عليها كما بني خارج مجموعته منازل للتجّار ومبني يسمي القيسارية حاليًا كان يستخدم كمتاجر في عهده.

 

قصة وداد الغازية لا توجد لها منابع في الذاكرة الشعبية بين الأجيال المعاصرة أو التي تلقت هذه الحكايات ممن سبقوها، وكان الفيلم السينمائي الذي عرض سنة 1983  هو المصدر الوحيد لقصة وداد الغازية لدي سكان نجع حمادي! التي هي من المفترض حسب صحافة ثورة 52 أو مسرحية جليل البنداري هي الموقع الحقيقي الذي شهد هذه القصة وفصولها.

 

والقصة المحققة  الوحيدة المذكورة والمتوارثة عن طبقة الغوازي في نجع حمادي كانت لواحدة فقط من أصول شامية تدعي «يمني سالم» كانت تعيش في نجع حمادي وكان لها علاقات بطبقة كبار التجّار والأعيان وكانوا يستدعونها لإحياء حفلات الزفاف والختان وغيرها، وعاشت في فترة الستينيات من القرن الماضي أي بعد إلغاء الملكية وهجرة الأمير يوسف كمال إلى النمسا حيث توفي هناك بمدينة استروبل  سنة 1969 ميلادية.