عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«صحراء المماليك» أقدم جبانة إسلامية

«صحراء المماليك»
«صحراء المماليك» أقدم جبانة إسلامية

وسط بيوت كالحة الألوان والمعمار، تحكى بؤس ساكنيها ويومياتهم المتكررة فى العزف على طلب الرزق القليل، تقبع مقاومة غبار الزمن وهزيمة السنين لزخارفها وبناياتها ومأذنها فى القاهرة الفاطمية أو كما كان يطلق عليها منذ سنين بعيدة «صحراء المماليك».

تحتل منطقة «صحراء المماليك» موقعاً وسطاً على خريطة العاصمة المصرية القاهرة، وكانت هذه المنطقة تسمى صحراء العباسية، وقد وقع اختيار المماليك عليها لتكون مضمار لسباقات الخيل ولعبة البولو (لعبة الكرة من فوق ظهر الحصان) وقد استهوتهم هذه المنطقة فأرادوا إعمارها، فقاموا ببناء عدة مجموعات معمارية تضم مدارس واسبلة وخانقاوات ومساجد لتكون واجهة حية على اهتمامهم بفن العمارة الإسلامية متخذين فلسفتهم الخاصة بالمكان والزمان، فنجد المساجد تتخذ الشكل المدرسى المتعامد والذى يتكون من أربعة ايوانات حول باثيو مكشوف (صحن) ويتميز ايوان القبلة بكبره عن باقى الايوانات وإذا نظرنا الى المآذن نجد أن بدن المأزنة ينتقل من الشكل المربع والذى يرمز الى الأرض الى الشكل الاسطوانى والذى يرمز الى السماء ثم يقل فى السمك حتى ينقلنا الى شكل مثمن يحمل قبة بصلية محمولة على 8 أعمدة والقبة البصلية تقود الناظر اليها الى السماء حيث الكون الفسيح وهذا يعكس بعض فكر المتصوفة الذين ارتبطوا بهذه الأماكن. كما أوصى كثير من سلاطين المماليك بدفنهم فى تلك الصحراء حتى أطلق عليها قرافة المماليك، الى جانب تركهم لعشاق الآثار الإسلامية أكثر من خمسة وثلاثين معْلمًا أثرياُ تجاوز عمرها الخمسة قرون.

وعلى الرغم من أن أصول المماليك تعود إلى آسيا الوسطى حين استقدمهم الأيوبيون، من بلدان غير إسلامية، وكانوا فى الأغلب أطفالاً يتم تربيتهم وفق قواعد صارمة فى ثكنات عسكرية معزولة عن العالم الخارجى، حتى يتم ضمان ولائهم التام للحاكم.

إلا أن نفوذهم زاد حتى تمكنوا من الاستيلاء على السلطة سنة 1250م. واستطاعوا أن يحكموا مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين ونصف القرن وبالتحديد من 1250 إلى 1517 ميلادية.

يقف مسجد السلطان المملوكى «الأشرف قايتباى»، فى شارع السوق بصحراء المماليك، بشموخ وعمر تجاوز السبعمائة عام، هذا الجمال المعمارى الفريد للمسجد جعلته رُسم على الجنيه المصرى ليكون شاهدا على عظمة هذا البناء، لكنه اليوم يقاوم تهالك جدرانه وزحف الكلاب الضالة الى مدخله الباهى لتكون مأوى لمعاشهم، فيما تحولّت الساحة الأمامية له إلى موقف سيارات وورش. أما سبيل “ قيتباى “ المقيم بالقرب من مدرسة السلطان «حسن»، تهالكت جدرانه بالفعل لكنه يأبى الانهيار متمسكا بتاريخه العريق، إذ يرجع بناؤه إلى عام 1479 ميلادية.

«صحراء المماليك» ذلك المتحف المفتوح الذى يمكن من التجوال فيه قراءة صفحات حية من تاريخ الحضارة الاسلامية فى أوج مجدها وعزها المعمارى النفيس، تشعر بالأسى حينما تطالع عيناك تكية «أحمد أبوسيف»، أشهر تكية للصوفيين فى القرون الماضية، والتى لم يتبقى منها سوى الاسم وواجهتها التى تهدّم معظمها، فضلاً عن قيام بعض الأهالى بحرق القمامة بجوار أطلال جدرانها، مما يعرضها للانهيار بالكامل فى أى لحظة، مشتركة معها فى نفس المصير البائس «خانقاه السلطان برقوق» والذى يعد مجمعاً خيرياً بامتياز، لم يتوفّر فى أيّ مبنى أثريٍّ آخر. فقد اشتمل، فضلاً عن كونه خانقاه للصّوفية، على مسجدٍ فسيحٍ وتربتين لأسرة برقوق، وسبيلين وكتابين لتعليم القرآن الكريم.

الحاج “صبرى ونيس “ صاحب المقهى الموجود خلف تكية «أحمد أبوسيف» وأقدم سكان منطقة صحراء المماليك عمره الحقيقى كما أخبرنى بصوت ضعيف،

لم يتجاوز ثلاثة وستين عاماً، لكن قسمات وجهه المتعبة وعيناه التى تطل من تحت جفونه بصعوبة تشى بأن ما اختبره الرجل يتجاوز مئات السنين يقول وكأنه يستعيد ذكريات طفولة بعيدة: هنا منطقة صحراء المماليك، لا أحد من الشباب اليوم يعرف هذا الاسم، الكل يعرفها بطريق «صلاح سالم»، ولدت وعشت هنا وكان أبى وجدى أيضاً، وكنا نلعب فى تكية «أبوسيف» ونحن صغار، كانت تكية جميلة وشبابيكها مصنوعة من خشب الورد، وللأسف لم يتبقى منها اليوم سوى يافطة وزارة الآثار.

الحكايات والأساطير لا تنتهى حول بنايات صحراء المماليك وآثارها، لعل أغربها قصة بوابات القصر العالى بالمنطقة، فطبقاً للأسطورة  فإن القائد العسكرى «إبراهيم باشا» ابن «محمد على» الكبير  بنى هذا القصر، وعُقدت به أولى جلسات مجلس الشورى، وعندما قرّرت الحكومة هدمه، اشترى السيد «على الوقاد» البوابات، وبناها فى صحراء المماليك.

أيضاً حادثة سرقة باب المنبر الأثرى لجامع « الأشرف برسباى» والذى يعود بنائه الى مئات السنين والتى يقول عنها الحاج «محمد عبدالسلام» خادم المسجد: المسجد تحفة معمارية فأرضيته فرشت بالكامل من المرمر أما قرب سقف المسجد فهناك الشبابيك الجصية المفرغة المحلاة بالزجاج الملون فإنها جمعت بين براعة التصميم ودقة الصناعة ومكتوب عليها «لا اله إلا الله.. محمد رسول الله». أما مدفن السلطان الاشرف برسباى فهو داخل حجرة امامية فى المسجد ومغلق ولا يتم فتح الغرفة الا بتصريح من وزارة الآثار وهو مصنوع كله من المرمر الرائع.

ويستكمل الحاج «محمد عبدالسلام» خادم المسجد حديثه بآسى قائلاً: لكن للأسف تعرضت بعض قباب المسجد للسقوط نتيجة لعدم ترميمها منذ عقود طويلة على الرغم من الأعمال الخيرية الموقوفة لترميم المسجد والتى يرجع بعضها الى وقف خيرى للسلطان «برسباى» نفسه.

وأخيراً يأتى مسجد أمام الصوفية الأكبر «جلال الدين السيوطى» درة العمارة الإسلامية بصحراء المماليك، حيث يعد «السيوطى» من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية فى النصف الثانى من القرن التاسع الهجرى، حيث ملأ نشاطه العلمى فى التأليف فى مختلف الفروع من تفسير وحديث وفقه وتاريخ وطبقات ونحو ولغة وأدب وغيرها، فقد كان موسوعى الثقافة والاطلاع، وقد أعانه على كثرة تأليفه انقطاعه التام للعمل وهو فى سن الأربعين حتى وفاته، وزادت مؤلفات السيوطى على الثلاثمائة كتاب ورسالة.